فى العشرين من مارس سنوياً، يحتفل المجتمع الدولى باليوم العالمى للسعادة. وفى السابع من أبريل من كل عام، يجرى الاحتفال بيوم الصحة العالمى، حيث تسعى منظمة الصحة العالمية إلى تعبئة الجهود حول موضوع صحى محدَّد يهمّ الناس فى مختلف أنحاء العالم. والاكتئاب هو موضوع حملة المنظمة ليوم الصحة العالمى 2017م. وفيما يتعلق بمصرنا الحبيبة، شهدت الأيام القليلة الماضية، إعلان ترتيب الدول فى مؤشر السعادة العالمى لعام 2017م، حيث حلت مصر فى المرتبة 120 عالمياً والخامسة عشرة عربياً. ويستند هذا المؤشر إلى ستة عناصر، هى: نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، ومتوسط الأعمار، والدعم الاجتماعى (وجود شخص يُعتمد عليه فى الصِّعاب)، والحرية الاجتماعية، والسخاء (يُقاس بالتبرعات)، وغياب الفساد.
والواقع أن «السعادة» من الألفاظ التى تُتداول كثيراً على الألسنة. ولا يمارى أحد فى أن السعادة غاية مبتغاة من البشر كافة. فرغم اختلاف الناس فى مذاهبهم ومعتقداتهم ومشاربهم وأعراقهم وأجناسهم ومقاصدهم وغاياتهم، فإنهم يتفقون جميعاً فى الغاية الأسمى وهى تحقيق السعادة. ربما يخطئ العديد من بنى البشر طريق السعادة الحقيقية، ولكنهم يريدون جميعاً الظفر بالسعادة.
وللسعادة دور مهم فى صناعة الأوطان، فالشعب السعيد هو وحده القادر على بناء وطن جميل وتحقيق التقدم والازدهار. وللسعادة تأثيرات إيجابية على الصحة البدنية والنفسية والعقلية، وتمنحنا آليات تفكير متجددة، وتفتح نوافذ الفكر، وتسهم فى تقوية قابلية الفرد على حل المشاكل ومواجهة التحديات، وتنمى الإبداع والابتكار، وتحقق انسجاماً أسرياً وتهذب سلوك الإنسان فى المجتمع، وتشيع بين الناس ثقافة التسامح التى تمنح الإنسان راحة نفسية وتجعله محباً لنفسه وللآخرين ومتفائلاً بالخير. ولذلك، كان من الطبيعى أن تحظى السعادة باهتمام متزايد لدى العديد من الحكومات فى العالم المعاصر، وبحيث تسعى هذه الحكومات إلى بلورة رؤية إنسانية تستهدف تنمية السعادة الوطنية. وقد وصل هذا الاهتمام إلى الحد الذى دفع أربع دول إلى إنشاء وزارة للسعادة، وهذه الدول هى: الإمارات العربية المتحدة، فنزويلا، الإكوادور، بوتان.
ونرى أن تغيير المفاهيم السياسية وتجسيدها فى منطوق توفير السعادة للمواطن، إنما يسهم فى نقلة حضارية نوعية، من خلال إعلاء قيمة الإنسان ودوره وتأثيره فى الحياة، الأمر الذى يستدعى إعادة النظر فى الدستور والقوانين. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى تأكيد البعض بأن السعادة حق أساسى من حقوق الإنسان. ويمكن القول بأن إعلان الاستقلال الأمريكى هو أول وثيقة دستورية تتضمن الإشارة إلى الحق فى السعادة. ففى الرابع من يوليو سنة 1776م، وفى خضم الصراع العسكرى مع الإمبراطورية البريطانية، قام الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية بالتصويت على الانفصال، حيث ضمّنوا إعلان الاستقلال ثلاثة حقوق أساسية، غير قابلة للتفاوض أو التجزئة، وهى: الحق فى الحياة، والحق فى الحرية، والحق فى السعى إلى السعادة. وتنص المادة الأولى من الدستور الفرنسى القديم الصادر فى 24 يونيو 1793م على أن «هدف المجتمع هو السعادة العامة، والغرض من إنشاء الحكومة هو أن تضمن للإنسان التمتع بحقوقه الطبيعية وغير القابلة للتنازل». ومؤخراً، تم تعديل المادة السادسة من الدستور البرازيلى، بحيث أصبحت تنص على أن «الحقوق الاجتماعية اللازمة للبحث عن السعادة هى: التعليم، الصحة، الغذاء، العمل، المسكن، الراحة، الضمان الاجتماعى، حماية الأمومة والطفولة، وحماية الفئات الضعيفة والمهمشة».
وفى الختام، أرجو عزيزى القارئ أن تتذكر أن السعادة قرار، بغضّ النظر عن الظروف المحيطة بالفرد ومستوى معيشته. فالسعادة بسيطة، ربما أقرب إليك مما تتصور، إذا أدركت حقيقة الحياة. وقد كان الفيلسوف البريطانى «برتراند راسل» يقول إنه عندما يتحدث لأصدقائه من الفلاسفة يعتقد أن فكرة السعادة مستحيلة، بينما عندما يتحدث إلى البستانى فى حديقته ويجده يحب ويعتنى بعمله ويسعد بإنجازه، يعرف أن اعتقاده السابق مضلل، فكل منا يستطيع أن يكون من هؤلاء المحبين السعداء. وليتذكر كل منا حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «من بات آمناً فى سربه، معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».