منذ فترة من الوقت، والمعلومات تتردد حول توقع عقد قمة مصرية سعودية، بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك سلمان بن عبدالعزيز، على هامش أعمال القمة العربية التى ستنعقد فى عمان فى التاسع والعشرين من الشهر الحالى.
لم ينفِ أى من الجانبين انعقاد هذه القمة، ولم يؤكد عليها، ولكن بات من الواضح أن انعقادها أصبح ضرورة مهمة، لتطوير العلاقة بين البلدين، وإزالة آثار التوتر «الصامت» الذى شهدته العلاقة، أياً كانت الأسباب والمسببات.
إن من يقرأ تاريخ العلاقة المصرية السعودية يدرك أن هناك ثوابت أساسية لهذه العلاقة، يحرص عليها الجانبان، قوامها المصالح المشتركة، والهم القومى للمنطقة العربية وأزماتها، والتى تلعب فيها مصر والمملكة دوراً أساسياً ومحورياً.
إن التباين فى وجهات النظر تجاه بعض القضايا القومية، لا يمكن أن يكون سبباً فى ضرب هذه العلاقة وإبقائها فى حالة توتر مستمر، والدليل على ذلك هو التعامل «بحكمة» مع هذا التباين الحاصل فى الملف السورى، والتوافق على ضرورة تجاوزه، إلى ما هو أبعد، والسعى المشترك إلى إيجاد تقارب فى وجهات النظر بين البلدين.
دعونا نؤكد أن الإعلام لعب دوراً سلبياً فى معالجة هذه الأزمة «الصامتة» خلال الشهور القليلة الماضية، بل كان أحد أهم عوامل هذه الأزمة، بعد أن تخلى البعض عن موضوعيته وسعى إلى الإضرار بالمصلحة القومية لكلا البلدين، من خلال نشر الأكاذيب والادعاءات غير الصحيحة.. لقد فهم البعض من الأشقاء أن تناول بعض وسائل الإعلام المصرية لهذا الحدث وتوجيه انتقادات «مرفوضة» يعنى أن ذلك تعبير عن وجهة النظر الرسمية، وهذا لم يكن صحيحاً بالمرة، بل إن بعض هؤلاء الإعلاميين أو الكتاب لا يكف عن انتقاد القيادة السياسية والحكومة المصرية تجاه معالجة العديد من القضايا الداخلية أو الخارجية.
وفى الوقت ذاته تكرر السيناريو لدى بعض الكتاب السعوديين، وهذا أيضاً غير صحيح، وكثيراً ما ردد عدد من المسئولين السعوديين أن هؤلاء يكتبون ويعبرون عن وجهات نظرهم بعيداً عن الإعلام الرسمى السعودى، وأنه عندما اشتم سخرية أحد المسئولين السعوديين «إياد مدنى» من عبارة أطلقها الرئيس السيسى، تم استدعاؤه إلى قصر الملك السعودى وطلب منه تقديم استقالته.
وعلى مدى فترة الأزمة الصامتة التى بدأت منذ أكتوبر الماضى، لم تتوقف الزيارات غير المعلنة بين المسئولين الرسميين فى كلا البلدين، وكانت الملفات المشتركة حاضرة فى المباحثات، حتى بدا أن ما يجرى من خلف ستار يختلف كلية عن مظاهر التوتر «المصطنعة» بين الجانبين.
إن التحديات التى تواجه المنطقة فى الوقت الراهن، والتى لا تستثنى بالقطع مصر أو المملكة، وهى تحديات إقليمية ودولية، كلها تستوجب التنسيق المشترك بين البلدين لحماية الأمن القومى العربى، والذود عنه، والعمل على حماية الدولة الوطنية، ومؤسساتها فى كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، ذلك أن الانهيار الحاصل فى هذه البلدان ترك تأثيراً خطيراً على أمن المنطقة بأسرها، وانعكس بالسلب على القضية الفلسطينية والحلول المطروحة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن القمة المصرية السعودية المرتقبة، سوف تتعرض بكل تأكيد لملفات عديدة ومتعددة، سواء منها ما يتعلق بسبل تطوير العلاقة المشتركة بين الجانبين أو ما يتعلق بالمشكلات العربية والإقليمية، وفى مقدمتها قضية «الإرهاب»، أو التنسيق المشترك فى آليات التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
سوف تكون نتائج زيارة الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد للولايات المتحدة حاضرة أمام هذه القمة، خصوصاً أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سوف يلتقى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» فى الأسبوع الأول من الشهر المقبل، ليبحث معه أيضاً قضايا وأزمات المنطقة. وسوف تضع القمة المصرية السعودية المرتقبة إطاراً عاماً لثوابت هذه العلاقة، يقوم على إعلاء المصلحة القومية المشتركة بين البلدين، والتنسيق المشترك تجاه التعامل مع القوى الإقليمية والدولية، خصوصاً فى إطار حالة الاستقطاب التى تشهدها المنطقة، ومنها التقارب الإيرانى التركى، والموقف الأمريكى فى ظل القيادة الجديدة من قضايا المنطقة، بالإضافة إلى الملفات المهمة فى إطار العلاقة المشتركة بين البلدين.
ومن المؤكد أن ذلك الإطار سوف تتم إحالته إلى اللجنة العليا المشتركة بين البلدين؛ لبحث آليات التنسيق، والتنفيذ خلال الفترة المقبلة، فى ضوء المستجدات الراهنة والتوقعات المستقبلية.
إن الشعب المصرى لا ينسى للمملكة موقفها الداعم لثورة الثلاثين من يونيو، وتحديها للقوى الغربية التى كان لها موقفها المعادى لهذه الثورة، ولا ينسى أيضاً موقف المملكة ودعمها للاقتصاد المصرى فى وقت تعرضت فيه البلاد لمشاكل اقتصادية كبرى وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة، وكذلك الحال بالنسبة لموقف مصر، وحرصها على الأمن الخليجى ورفضها التدخل الإيرانى فى شئون المنطقة.
طوال تاريخ هذه العلاقة سواء كان فى فترات المد وهى كثيرة أو فى فترات «الجزر» وهى قليلة، كان هناك حرص مشترك على تجاوز الخلاف، وطى صفحته، والتطلع إلى كل ما يخدم قضايا الأمة وقضايا التنسيق المشترك والقواسم المشتركة بين البلدين، وهو بالضبط ما حدث بعد نكسة (67) حيث كان للملك فيصل (طيب الله ثراه) مواقفه التى لا تنسى والتى عبر عنها فى قمة الخرطوم، متجاوزاً فترة القطيعة إلى الدعم الكامل لمصر فى معركتها ضد العدوان الإسرائيلى.
لقد حاولت بعض القوى السعى إلى إحداث «أزمة» حقيقية فى العلاقات المصرية السعودية خلال فترة ماضية، إلا أن كلا البلدين كان لديه حرص شديد على ثوابت هذه العلاقات، وضرورة تجاوز أى تباين فى وجهات النظر حيال بعض القضايا والملفات.
إذا كان البعض حاول استغلال وقف شركة «أرامكو» لشحنات النفط المتفق عليها بين البلدين، فإن هذه الشحنات عادت مرة أخرى إلى مصر، بعد أن أكدت الشركة أن وقف الشحنات كان لأسباب فنية ولا علاقة له بحدوث تباين فى وجهات النظر السياسية بدليل أنها توقفت قبيل أيام من إعلان مصر لموقفها من القرار الروسى المتعلق بسوريا فى مجلس الأمن.
أما عن قضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، فمصر دولة مؤسسات، والدستور يحدد آليات التعامل مع هذه الاتفاقيات، ومن ثم فإن القرار فى النهاية يأتى بعد ممارسة هذه المؤسسات -وتحديداً البرلمان- لصلاحياتها، وأعتقد أن الحكومة السعودية تتفهم ذلك جيداً. يبقى فى النهاية الإعلام، الذى كان له دوره الرئيسى فى التصعيد والتوتر، وأظن أن هناك اتفاقاً بين الجانبين على ضرورة القفز على تداعيات الأزمة الماضية، وإعلاء المصلحة المشتركة بين الجانبين، ولذلك تبقى الكرة فى ملعب الصحفيين والإعلاميين، ومن ثم بات عليهم تحمل مسئوليتهم الكاملة حتى لا يكونوا أداة للهدم بدلاً من كونهم أداة للبناء.