وزير الاقتصاد الأسبق: رجال الأعمال لم يعاونوا الرئيس فألقى بكل ثقله على القوات المسلحة لتساعده فى الخروج بالبلد من مأزقها
الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد الأسبق
انتقد الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد الأسبق، قرار تحرير الجنيه فى 3 نوفمبر الماضى، مؤكداً، فى حواره مع «الوطن»، أنه فشل فى حل أزمة الدولار، وأن آثاره السلبية شملت زيادة مخصصات الدعم والدين العام وعجز الموازنة وارتفاع التضخم، معتبراً أن تقييد الواردات كان بديلاً أفضل منه.
د. مصطفى السعيد لـ«الوطن»: «التعويم» فشل فى حل أزمة الدولار.. وتقييد الواردات كان بديلاً أفضل
وقال «السعيد»، الذى خاض حرباً شرسة مع تجار السوق السوداء عند توليه الوزارة عام 1982 انتهت باستقالته فى يناير 1985، إن أزمة الدولار مزمنة وتاريخية، وتُعد من توابع هزيمة 1967 التى خصصت الدولة فى أعقابها مواردها من العملة الصعبة لإعادة بناء الجيش، واضطر وزير الاقتصاد وقتها للسماح للمستوردين بتدبير احتياجاتهم من الدولار من خارج البنوك، وكانت هذه لحظة ميلاد السوق السوداء وأحد أسباب أزمة الدولار حتى هذه اللحظة.
وأضاف: «رجال الأعمال خذلوا الرئيس ولم يدعموا طموحاته فى تحقيق إنجازات تنموية كبيرة، ما دفعه للاعتماد بشكل كبير على الجيش» مقترحاً أن يستعين الرئيس بالشعب عن طريق طرح مشروعات صناعية للاكتتاب العام، كما فعل عبدالناصر عند بناء «القومية للأسمنت» و«الحديد والصلب»، مشيراً إلى أنه على المدى الطويل لا علاج لعلل الاقتصاد المصرى دون الاهتمام بالتصنيع والتعليم.. وإلى نص الحوار:
■ بداية.. كيف نشأت أزمة الدولار فى مصر؟
- أزمة الدولار نشأت من عدم توافر موارد كافية للوفاء باحتياجات المجتمع فى المرحلة الحالية، خاصة أن هناك طموحات لدى القيادة السياسية فيما يتعلق بعملية التنمية، والدولة لديها رغبة قوية فى إقامة مشروعات عديدة مثل شبكة الطرق أو المشروعات الزراعية أو العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات الإسكان الاجتماعى، وهذه المشروعات فى حاجة إلى محتوى من النقد الأجنبى، فى الوقت الذى قلّت فيه مصادر النقد الأجنبى، نتيجة ضعف الاستثمارات الأجنبية وتراجُع إيرادات حركة السياحة الوافدة لمصر، إلى جانب انخفاض الصادرات وضعف تحويلات المصريين من الخارج. والحكومة تحاول حالياً حل أزمة الدولار عبر عدد من الوسائل منها اللجوء إلى الاقتراض، وهو ما جعلها تلجأ إلى قرض صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار، وإجراءات وزارة المالية للحصول على سندات دولارية، وسعى وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى «النشيطة» للحصول على قروض من كل الجهات، ما أدى إلى ارتفاع قيمة الدين الخارجى، حيث إنه فى عام 2011 ومع ثورة 25 يناير، بلغت قيمة الدين الخارجى 29 مليار دولار تقريباً، أما الآن فتجاوزت 50 مليار دولار. والاقتراض يساعد فى توفير مصادر النقد الأجنبى على المدى القصير، أما على المدى الطويل فإنه يُلقى على الدولة أعباء، تتمثل فى الأقساط والفوائد. لكن الحكومة المدركة لهذه الأعباء تراهن على زيادة مواردها من الدولار مع الزيادة المأمولة فى حركة السياحة الوافدة وبدء إنتاج اكتشافات البترول والغاز الطبيعى الجديدة وغيرهما لسد احتياجاتها وتسديد ديونها.
«السيسى» يواجه تحديات لم تقابل أى رئيس قبله ويحتاج لوزراء قادرين على مناقشته.. وأزمة الدولار «مزمنة» وتعود إلى 1967 وقرار حسن عباس زكى بعدم توفير العملة الصعبة للقطاع الخاص بعد النكسة كان لحظة ميلاد السوق السوداء
■ وهل نقص المعروض هو السبب الوحيد فى أزمة الدولار الحالية؟
- بكل تأكيد الخلل بين العرض والطلب ليس المشكلة الوحيدة، فهناك مشكلة أخرى لا يدركها الكثيرون، تتعلق بهيكل سوق الصرف، وهى مسألة مزمنة وقديمة وتعود إلى عام 1967. وقتها وجّهت الدولة معظم مواردها من النقد الأجنبى لإعادة بناء الجيش بعد النكسة، وفى ذلك الحين أخد وزير الاقتصاد الأسبق المرحوم حسن عباس زكى قراراً بأن يتولى القطاع الخاص والحرفيون تدبير احتياجاتهم من الدولار بأنفسهم لأن الحكومة ليست لديها القدرة على تدبير احتياجاتهم، وكان القطاع العام هو المسيطر وحجم القطاع الخاص كان متواضعاً، وبالتالى احتياجاته من النقد الأجنبى محدودة، ومن وقتها ظهر نظام «الاستيراد بدون تحويل العملة»، وكان القطاع الخاص يحصل على العملة من إيرادات قطاع السياحة أو يقوم بشرائها من المصريين الموجودين بالخارج ويودعها فى البنوك لإتمام عملية الاستيراد، وكان هذا القرار هو منشأ السوق السوداء وتجار العملة هم الذين تولوا مهمة توفير الدولار للمستوردين من القطاع الخاص.
■ وهل خلق هذا القرار أزمة وقتها؟
- لا لم يخلق أزمة، لأن القطاع الخاص كان محدوداً كما قلت لك. ولذلك كان الفارق فى السعر بين السوق الرسمية والسوق غير الرسمية محدوداً لا يتجاوز 3 قروش. وظل النظامان يعملان جنباً إلى جنب ويؤديان الغرض منهما دون مشاكل. وساهم فى هذا الأمر أن السوق السوداء فى بدايتها كانت سوق «منافسة كاملة» أى يعمل فيها عدد كبير جداً ولم يكن هناك من يسيطر عليها أو يحتكرها، مثلاً مدرس يجمع الدولار من زملائه فى الكويت، أو تاجر يأخذها من السياح، والسياحة كانت محدودة على أى حال.
■هل كانت تجارة العملة غير محرمة.. وكم كان سعر الدولار وقتها؟
- كانت ممنوعة قانوناً، لكن البنوك لم تكن تسأل عملاءها من «أين لك هذا؟»، و«كانت الأمور ماشية»، أما بالنسبة لسعر الدولار فتطور من 43 قرشاً فى الستينات لـ73 ثم 84 قرشاً فى العام 1979.
■وما الذى تغير فى الثمانينات؟
- تغير الكثير لأن حجم القطاع الخاص زاد بشكل كبير وزادت احتياجاته من الاستيراد بعد قرار الانفتاح الاقتصادى عام 1974، وكانت هناك زيادة فى عوائد السياحة، وحين ارتفعت أسعار النفط بدأت أغلب الدول الخليجية فى تنفيذ مشروعات إنشائية، وارتفعت تحويلات المصريين العاملين هناك من العملة الصعبة، فى هذه المرحلة تغير هيكل السوق من سوق منافسة كاملة إلى سوق احتكارية.
أنيس منصور هاجمنى عندما حاولت القضاء على السوق الموازية للدولار ثم قال لى: «ماتزعلش.. علىّ الطلاق رئيس الحكومة هو اللى مسلّطنى»
■ وكيف حدث ذلك؟
- تحولت السوق الموازية أو «السوداء» من سوق منافسة كاملة يعمل فيها الآلاف ولا يسيطر عليها أحد، إلى سوق «احتكار القلة»، أى بدأت هذه السوق يسيطر عليها مجموعة قليلة من الناس مثل «الريان» و«سامى على حسن» و«السعد»، وغيرهم، وبلغ عددهم بين 50 و60 فرداً يسيطرون على نحو 80% من حجم السوق. وبدأ يحدث تحالف قوى بين البنوك وتجار العملة والمستوردين، تجار العملة يضعون العملة فى البنوك، والأخيرة تنوب عنهم فى بيع هذه العملة للمستوردين مقابل عمولة. وعملياً بات تجار العملة هم من يحددون سعر الدولار، وأصبح سوق سعر الصرف فى قبضتهم. وقد كان هذا هو الوضع البالغ السوء حين توليت وزارة الاقتصاد عام 1982.
■ وكيف عالجت هذه المشكلة؟
- اتفقت مع رئيس الوزراء آنذاك الدكتور فؤاد محيى الدين، وبعلم الرئيس حسنى مبارك، بعد مفاوضات استمرت لنحو عام ونصف العام، على أن يقتصر الاستيراد على الجنيه المصرى، أى ألا تتم أى عملية استيراد إلا بالجنيه، وكل من يرغب فى الاستيراد يأتى للبنك بالجنيه المصرى فقط، وتقوم البنوك وحدها بتدبير الدولار له.
ما زلت أرى أن قصر الاستيراد على الجنيه قادر على تخفيف أزمة النقد الأجنبى.. والتصنيع والتعليم أمل فى تحقيق نهضة حقيقية.. وسياسة وزير الإسكان تُعجب الرئيس.. لكنها تجمّد مدخرات المواطنين فى «الحجارة» وتحرمنا من فرص استثمارها فى مشروعات تنموية
■ومن أين تأتى البنوك بالدولار؟
- بعض زملائى فى مجلس الوزراء كان لديهم نفس السؤال. وذات مرة قال لى الدكتور عاطف عبيد رحمه الله: «إن تاجر العملة هو الذى يوفر العملة»، وهذا غير صحيح. المسألة بسيطة جداً. تاجر العملة ينشط فى جمع الدولار من السوق لأن المستورد يحتاجه لتدبير احتياجاته من خلال البنوك، لكن إذا أجبرته البنوك على التعامل بالجنيه، فلن يلجأ لتجار السوق السوداء الذين سيتوقفون بدورهم عن جمع الدولار من المواطنين، والمواطن لن يجد بداً من بيع ما لديه من نقد أجنبى للبنوك، وهكذا تنتهى السوق السوداء بوسائل اقتصادية وليست أمنية، وبعد مفاوضات ماراثونية استمرت لنحو عام ونصف العام انتهينا لإلغاء نظام الاستيراد بدون تحويل عملة بعد اجتماع موسع ضم كلاً من عاطف عبيد والجنزورى وصلاح حامد وأسامة الباز وصفوت الشريف، والرئيس مبارك نفسه، وكان ذلك فى 5 يناير 1985، لكنى فوجئت بثورة عارمة على القرار وعلى شخصى، وللتاريخ أقول إن من تزعّم الثورة على القرار كان الدكتور مصطفى خليل، رئيس الوزراء الأسبق، وكان وقتها رئيساً للمصرف العربى الدولى، فهاجمنى عدد كبير من كبار الكتّاب منهم موسى صبرى فى أكثر من مقال، وكذلك فعل أنيس منصور. الطريف أن أنيس منصور قابلنى بعد ذلك وبادرنى ضاحكاً «ماتزعلش.. علىّ الطلاق رئيس الحكومة هو اللى مسلّطنى». وانتهى الأمر بإجبارى على الاستقالة.
■ ولماذا؟ ألم يكن القرار بإجماع الحكومة؟
- كان بإجماع الحكومة التى كان يرأسها فى ذلك الوقت الفريق كمال حسن على خلفاً لفؤاد محيى الدين، وبموافقة حسنى مبارك نفسه الذى كنت حريصاً على مراجعته حتى اللحظة الأخيرة لعلمى أن العملية ستثير الجدل فى مصر، لأن أصحاب المصالح من تجار العملة والبنوك والمستوردين سيتصدون لها. لكن الرئيس طلب منى الاستقالة لتهدئة الرأى العام وحل المشكلة.
■ معنى ذلك أنه لم يكن عدوانياً معك.
- لا لم يكن عدوانياً حينها، ولم يكن عدوانياً معى لاحقاً، بل كان سعيداً عندما توليت لاحقاً اللجنة الاقتصادية فى مجلس الشعب.
■ ولماذا قاد مصطفى خليل الثورة على هذا القرار؟
- لأن القرار كان يتعارض مع مصالحه أو على الأقل مع قناعاته باعتباره رئيس المصرف العربى الدولى الذى كان يتعامل بالدولار فقط، وأذكر جيداً أنه قبل بدء المؤتمر الصحفى للإعلان عن القرار فى 5 يناير 1985، اتصل بى مصطفى خليل وسألنى: «انتم هتلغوا نظام الاستيراد بدون تحويل عملة؟ وإزاى المصرف العربى يشتغل؟»، فقلت له يمكن للبنك أن يتعامل من خلال فتح اعتمادات بالجنيه من بنك مصر أو الأهلى المصرى. فقال لى: «يعنى كل ما احتاج حاجة أرجع لبنك مصر أو الأهلى» فقلت له: «الحقيقة هذا هو القرار الذى توصلنا إليه بموافقة رئيس الدولة، ويمكنك أن ترجع إليه»، وأوضحت له أنى كوزير اقتصاد أضع السياسة الاقتصادية من أجل البلد وليس «المصرف العربى»، فردّ قائلاً: «لن أراجع أحداً، ولكن انتم هتخربوا مصر».
أقترح أن يستعين الرئيس بالشعب عن طريق طرح مشروعات صناعية للاكتتاب العام كما فعل «عبدالناصر» عند بناء «الحديد والصلب»
■ ولماذا كل هذه الأهمية للمصرف العربى؟
- لم يكن المصرف هو المهم، ولكن شخصية مصطفى خليل. فالرجل رحمه الله كان يحظى بتأثير كبير جداً على الرئيس مبارك. ونجح بالفعل فى تخويفه من القرار، وأقنع «كمال حسن» بأن الدكتور رفعت المحجوب ومصطفى السعيد يرغبان فى العودة لعهد عبدالناصر، وأنهما يسعيان لإصدار قرارات ستحرجه كرئيس حكومة، ونجح بالفعل فى إقناع مبارك بإلغاء القرار، وعلى أثر الأزمة طلب منى الرئيس تقديم استقالتى بهدف تهدئة الرأى العام، وبعد خروجى من الوزارة جاء الاقتصادى المحترم الدكتور سلطان أبوعلى، وطُلب منه إلغاء قرارى وقد كان. ولكن كانت النتيجة تزايد أعداد تجار العملة فى مصر حتى سيطروا على سوق الصرف.
■ كم كان سعر الدولار عند دخولك الوزارة؟
- كان سعر الدولار 116 قرشاً فى عام 1982، ثم انخفض إلى 112 قرشاً، وبعدما قدمت استقالتى من الحكومة فى أبريل 1985، كان سعره 152 قرشاً، وبعد خروجى من الوزارة قفز الدولار إلى 2.5 جنيه ثم 3 جنيهات. ما أريد أن أقوله من كل هذه التجربة التاريخية إن أزمة الدولار كانت ولا تزال سببها ليس فقط عدم التوازن بين العرض والطلب، وإنما الخلل الموجود فى هيكل السوق والمتمثل فى وجود جهتين تتنافسان على مصادر النقد الأجنبى المقبل لمصر، وهما «السوق الرسمية» و«السوق الموازية»، وما زلت أرى أن الحل الأمثل يجب أن يكون بقصر الاستيراد على الجنيه المصرى.
■هل هذا الأمر طُرح بعد خروجك من الوزارة؟
- من حين لآخر ظل يُطرح ولكن يتم إلغاؤه، خوفاً من حدوث طوابير أمام البنوك التى لن تستطيع توفير العملة ولقناعة البعض أن هناك حلولاً أخرى أفضل.
■ كيف ترى قرار البنك المركزى بـ«تعويم الجنيه»؟
- هذا القرار فى الواقع تم اتخاذه لإنجاح اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض 12 مليار دولار، لكن أيضاً له مبرر اقتصادى وهو عدم التوازن بين العرض والطلب على العملة الأمريكية أى نقصها فى السوق، ما يؤدى بالضرورة لانخفاض قيمة الجنيه. لكن حتى الآن قرار التعويم لم يحل هذه المشكلة. لأن حقائق الاقتصاد المصرى تشير إلى أن التخفيضات المتوالية فى قيمة الجنيه لم تحقق التوازن بين العرض والطلب على الدولار. لماذا؟ لأن المسألة متوقفة على ما يُعرف فى الاقتصاد بمرونة العرض والطلب، أى إن فرضية الحكومة التى تقول إن خفض قيمة الجنيه سيزيد من صادراتنا ويخفض وارداتنا غير دقيقة فى الحالة المصرية، بسبب عدم وجود مرونة لدينا فى جانبَى العرض والطلب، لأنه ليس لدينا صادرات يمكن زيادتها بشكل واضح إذا انخفض سعرها، وواردتنا كثيرة وأساسية يصعب أن نقلل منها بشكل ملحوظ، ما يعنى أن القرار غير مُجد. ومحافظ البنك المركزى اتخذ قرار «تعويم الجنيه» وهذا القرار لم يحل جوهر المشكلة، وكان لا بد من دراسة أثر التحرير على الأسعار وعلى عجز الموازنة العامة ومعدلات التضخم نتيجة انخفاض سعر الجنيه الذى زاد من عبء الدعم على الحكومة، ورفع الواردات بسعر الدولار، وبالتالى الأسعار فى مصر ستتزايد بشكل كبير وملحوظ، فكان لا بد من حساب النتائج الإيجابية والسلبية لانخفاض العملة المحلية، والانخفاض لم يؤدِّ إلى التوازن بين العرض والطلب على الدولار، ما تسبّب فى عجز بالموازنة العامة للدولة وارتفاع الأسعار بشكل جنونى حتى الآن.
■هل كان أمام الحكومة خيارات أخرى غير «تعويم الجنيه»؟
- الحكومة تواجه مأزقاً. لكن إذا كان قرار تحرير الجنيه لن يحل المشكلة فلا داعى لاتخاذه لأنك ستواجه صعوبات. وكان يجب حساب مزايا وعيوب القرار الذى لم يقتصر ضرره على عدم تحقيق الغرض منه، ولكن تسبّب فى زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة، وزاد من عبء الدعم الحكومى، فى ظل تدعيم الدولة للقمح والزيوت والوقود.
■ هل أنت من الداعمين لإجراءات صندوق النقد المطبقة فى مصر أم من المتشككين فى جدواها ونتائجها؟
- تجارب الصندوق نجحت فى بعض الدول وفشلت فى دول أخرى. واحتمالات نجاح أو فشل برنامج الإصلاح الحالى قائمة ومتوقفة على قدرة الحكومة على التعامل مع متطلبات الصندوق. لكن ليس هناك من يمكن أن يعترض من حيث المبدأ على ضرورة إصلاح عجز الموازنة العامة والخلل فى سعر الصرف، لكن ما يحدث الآن فى أغلب الدول التى تلجأ إلى صندوق النقد الدولى أنها لا تحاول تصحيح الجوانب السلبية الموجودة بالنظام الاقتصادى الخاص بها.
■ وكيف نخرج من المأزق الاقتصادى الراهن برأيك؟
- هناك طريقان للخروج من مأزق سعر الدولار، أولاً: على الأجل الطويل يكون من خلال التركيز على الصناعة وإنتاج سلع ذات قيمة مضافة واضحة ناتجة عن المهارة والتكنولوجيا. وهذا لا يمكن أن يتحقق بدون الاهتمام بالتعليم والتدريب، وهذا هو سر تفوق إسرائيل التى انتقلت منذ وقت مبكر من تصدير المواد الخام، مثل البرتقال، إلى تصدير الأجهزة المتقدمة مثل الأسلحة والمعدات الطبية وغيرها. وهذا التوجه يجب أن يبدأ من اليوم. ثانياً: على المدى القصير يجب دراسة أولوياتنا بشكل جيد لتتناسب مع مواردنا المحدودة. وهذا يقتضى قدراً أكبر من التقشف والضغط من خلال تقييد الواردات، إما كبديل عن تحرير الجنيه كلية، أو كإجراء مصاحب لخفض أقل لقيمة الجنيه عند 12 جنيهاً للدولار مثلاً. وكان يمكن تحقيق ذلك بفرض قيود على سلع لا قيمة لها لبلد فقير مثل السيارات والموبايلات وغيرها، فالبلد الفقير لا يستورد هذه السلع «مش معقول.. يعنى فقير ونزهى؟». وما دمنا نتحدث عن إعادة النظر فى الأولويات، فأنا أرى أن هناك اتجاهاً متزايداً وخاطئاً نحو الاستثمار العقارى. وعلى الرغم من إعجاب الرئيس عبدالفتاح السيسى بوزير الإسكان بسبب نشاطه فى مشروعات الاستثمار العقارى التى يفخر الوزير أنها من خارج موازنة الدولة، حيث إن وزارة الإسكان تُرفّق الأراضى الصحراوية بتكلفة تقدر ما بين 1500 و2000 جنيه للمتر وتبيعها فى أماكن مثل «التجمع» بأسعار تتراوح بين 4000 و5000 جنيه للمتر، وهذا أمر مربح وجيد، ويساعد فى تنفيذ مشروعات الإسكان الاجتماعى والعشوائيات بدون تحميل خزانة الدولة أعباء «وعلشان كده الرئيس مبسوط منه»، لكن الرئيس يتجاهل أن هذا التوجه له أثر سلبى يتمثل فى سحب مدخرات المواطنين وتجميدها فى حجارة، بينما من الممكن أن توضع فى صناعات تؤدى إلى التصدير والتنمية.
■ لكن من مزايا هذا التوجه خروج مشروع عظيم مثل «الإسكان الاجتماعى»؟
- وما قيمة أن توفر مسكناً لمواطن لا عمل له؟ من أين يدفع ثمنه ومن أين يعيش؟ يجب أن ننتج ونصدّر. وصادراتنا للأسف فى تراجُع، وقد كانت قيمتها فى 2011 نحو 28 مليار دولار، وهبطت الآن لأقل من 22 مليار دولار، ووارداتنا لا تقل بشكل يُذكر.
■ هل تعتقد أن وزراء المجموعة الاقتصادية الحالية قادرون على الخروج بنا من النفق المظلم؟
- كلهم من تلاميذى ويتوافر لديهم العلم الكافى لتحقيق المطلوب، لكن هل لديهم الجرأة لمجادلة الرئيس ومناقشته؟ هذا أمر آخر.
■وهل مناقشة الرئيس أمر صعب على وزير؟
- أحياناً تكون صعبة، فمعارضة الرئيس ومناقشة توجهاته وعرض الحقائق، حتى وإن جاءت على غير ما يريد، ووضع البدائل للمناقشة بشكل يصل إلى تحديد نظام للأولويات لتصحيح الأوضاع الاقتصادية، ليست أمراً سهلاً. والحاصل الآن أن لديك رئيساً مخلصاً ويريد أن ينجح رغم الصعوبات الكثيرة، وهى أكثر من أى صعوبات واجهت أى رئيس سابق، ولديه رغبة فى التحدى. وهذا يتطلب وجود معاونين أقوياء ومخلصين معه لا يخافون من مناقشته والاختلاف معه والأهم أن يلتف الشعب حوله ويدعمه.
■ما الذى يميز السلطة الحالية من وجهة نظرك؟
- ما يميز السلطة الحالية أنها ترغب فى إنجاز شىء لهذا البلد، ولكن هذا لا يتم بدون تضافر كل قوى الشعب. وأعتقد أنه بات لدى الرئيس شكوك فى دعم رجال الأعمال لأنهم لم يعاونوه. فمن بنى منهم مشروعاً كبيراً منذ ثورة يناير وحتى الآن؟ وبالتالى ألقى بكل ثقله على القوات المسلحة لتساعده فى تحقيق طموحاته فى تنمية البلد والخروج بها من مأزقها.