إيريك تراجر: الإخوان سيكررون نفس الأخطاء لو حصلوا على فرصة ثانية
«الإخوان» حرضت عناصرها على انتهاج العنف ضد قوات الأمن والمواطنين
«كيف صعد الإخوان سريعاً إلى الحكم فى مصر عام 2011؟ والأهم كيف سقطوا بشكل أسرع من السلطة؟».. هكذا يتساءل الباحث الأمريكى المتخصّص فى الشئون المصرية إيريك تراجر، فى كتابه الجديد بعنوان: «الخريف العربى.. كيف فاز وخسر الإخوان الحكم فى 891 يوماً؟».. «تراجر» الذى سبق أن انتقد عزل «الإخوان» عن الحكم، اعترف بعدم صلاحيتهم فى مراكز السلطة، فى كتابه الجديد، مؤكداً أن ذلك هو السبب الرئيسى وراء عزلهم، وأن سعيهم إلى السيطرة المطلقة كان السبب وراء الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسى، وليس المؤامرات كما يدّعون.
«الخريف العربى» يرصد وقائع «فشل الجماعة» فى 891 يوماً: الدعم الأمريكى أحد أسباب فشلهم
«(إذا فاز شفيق، فإننى فى عداد الأموات، فأنا سأقاتل حتى النهاية).. هكذا قال لى أحد الإخوان الذين التقيتهم قبل ساعات من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأولى فى 2012، فقد كان (الإخوان) وقتها يعتقدون أن مؤسسات الدولة تتآمر ضدهم، لمنعهم من الوصول إلى الحكم، ولهذا قرّروا حشد أتباعهم فى ميدان التحرير وإخبارهم بأن يتحضروا لمعركة مع قوات الأمن إذا أعلن عن فوز رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، فى الانتخابات الرئاسية». لم تكن تلك الشهادة لأحد المنتقدين للإخوان، بل هى لـ«تراجر» الذى اشتُهر فى مصر بعد ثورة 25 يناير، بسبب لقاءاته المتعدّدة مع مسئولين مصريين وتيارات مختلفة فى المشهد السياسى المصرى.
يرى «تراجر»، فى كتابه الجديد، أن ثورات «الربيع العربى» غيّرت مسار ونصيب الجماعة إلى الأبد، فـ«الإخوان» رأوا أن وصول «مرسى» إلى الحكم كان بمثابة فرصة غير مسبوقة لتأسيس «الدولة الإسلامية» فى مصر، ووقتها كانت تلك الخطوة ستتحول إلى نقطة الانطلاق لنشر «الدولة الإسلامية عالمياً»، لكن ليس هذا ما حدث، فحسب «تراجر»، تسبّبت أخطاء «مرسى» وقراراته الاستبدادية فى حشد حركة قوية ضده، إضافة إلى العداوة التى خلقها مع مؤسسات الدولة المصرية، وهو ما نتج عنه فى النهاية عزل «مرسى» بعد الاحتجاجات الحاشدة فى 30 يونيو.
«كيف صعد الإخوان سريعاً إلى الحكم فى مصر عام 2011؟ والأهم كيف سقطوا بشكل أسرع من السلطة؟».. هكذا يتساءل «تراجر»، لكنه يستطرد سريعاً: «الأكيد هو أن فترة ما بعد (مبارك) تسبّبت فى حالة انفتاح سياسى غير مسبوقة فى مصر، وهناك مجموعة معقّدة من العوامل التى أثّرت على صناعة القرار بما تسبّب فى النهاية بالصعود السريع والسقوط الأسرع لجماعة (الإخوان)». ويرى «تراجر»، فى كتابه، أن «العوامل والصفات نفسها التى تسبّبت فى الصعود السريع للإخوان إلى الحكم، كانت أيضاً نفسها التى أسهمت فى السقوط السريع لهم، حيث إن البنية التنظيمية الخاصة بالجماعة كانت تدفعها إلى ميول سلوكية معيّنة لتحقيق أهداف واضحة وصريحة بالنسبة إلى قادة الجماعة».
«على عكس كل التنظيمات والقوى السياسية فى مصر، فإن الإخوان ليسوا حركة معارضة ولا حزباً سياسياً، رغم أنها تصرفت فى بعض الحالات مثل النوعين، لكنها فى الحقيقة تنظيم هرمى صارم يسعى إلى إحداث تحول فى المجتمع المصرى وفى الدولة المصرية، وبعدها فى العالم كله، وفقاً لتفسيرها السياسى للإسلام. وتحديداً، تسعى الجماعة إلى تحقيق تفسيرها الخاص للإسلام كمفهوم شامل لكل شىء فى إطار المجتمع وتأسيس الدولة الإسلامية فى مصر واستخدامها كموطئ قدم لنشر فكرة الدولة الإسلامية عالمياً، أو ما يُعرف باسم (الخلافة الحديثة)».
إدارة «أوباما» ظنت أن «الإخوان» سيحكمون مصر لسنوات طويلة.. وتعاونت معهم وابتعدت عن التيارات الإسلامية.. و«الجماعة» سارعت إلى الحكم دون أجندة سياسية ودخلت فى معارك مع كل المؤسسات السياسية وعادت القوى المعارضة.. وحاولت دعم «الغريانى» أو «مكى» للرئاسة سراً لكنهما رفضا
يرى «تراجر» أن عدم التزام الجماعة بوعودها الخاصة بخوض الانتخابات البرلمانية على نصف مقاعد البرلمان فقط وعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية، يرجع فى الأساس إلى مخاوف الجماعة من أن تتسبّب تلك الوعود فى تهديد الوحدة الداخلية للجماعة، التى كانت تندرج تحت شعار «الجماعة فوق كل شىء»، فمثلاً لو لم تكن الجماعة رشّحت أحد قادتها للانتخابات الرئاسية، لانقسم أعضاؤها وتفتّت أصواتهم على المرشحين من غير الإخوان.
الباحث الأمريكى يقول أيضاً: إن «الدعم الأمريكى المطلق للجماعة تسبّب فى فشلها وسقوطها من الحكم، حيث إن هذا الدعم غير المشروط تسبّب فى حصولها على نوع من الأمان والضمانة الدولية والسعى نحو المزيد من السلطات، ورغم أن الإدارة الأمريكية كانت ترى أن الدعم غير المشروط للإخوان سيُسهم إلى حد كبير فى التأثير على الجماعة ومنعها من تغيير السياسات الخارجية المصرية، فإن هذا الدعم غير المشروط تسبّب فى انعدام القدرة الأمريكية على رفض القرارات الاستبدادية التى اتخذها الإخوان، أو الإعراب عن أى نقد فى ما يتعلق بتلك المسألة، كما أن هذا الدعم الأمريكى تسبب فى ابتعاد التيارات المصرية غير الإسلامية التى كانت تتعاون دوماً مع الولايات المتحدة، لكن حجة المسئولين الأمريكيين وقتها أنهم كانوا يعتقدون أن الجماعة ستبقى فى الحكم سنوات طويلة».
«من جديد، أخطأت الجماعة بشدة فى حساباتها لما بعد عزل (مرسى)، فقد كانت الجماعة تعتمد على القوة العددية لديها والتهديد بأنهم على استعداد لتقديم آلاف الشهداء، لكن اتضح فى ما بعد أن الجماعة بالغت بقوة فى تقدير قدراتها، وقللت من انتقادات النظام الجديد لها وعدم رغبة الشعب فى عودتها مرة أخرى، وبدلاً من قبول عزل (مرسى)، واصلت الجماعة قتالها ضد الدولة التى رفضتها، وبهذا لم يكن أمام النظام الجديد سوى أن ينقل المعركة إلى الإخوان أنفسهم، لأن مصير الدولة بأكملها على المحك». ويضيف «تراجر»: «طبيعة الخلاف العلنى الصارخ بين الحرس القديم للجماعة وشباب الجماعة الذين يسيطرون على تسلسل القيادة حالياً، تؤكد أن ثقافة الطاعة التى كانت راسخة فى عقول أعضاء الجماعة انكسرت إلى غير رجعة».
«هل سيعود الإخوان من جديد؟ التاريخ يؤكد لنا أنه سيكون من الغباء أن نتوقع غير ذلك. فقبل كل شىء، أيديولوجية الجماعة مثلها مثل كل الأيديولوجيات فى العالم، لا تُمكن نفسها من الوجود ببساطة، خصوصاً أن تفسير الإخوان للإسلام على أنه (مفهوم شامل) يسعى إلى التحكم فى كل مجالات الحياة، حتى بالنسبة للمسلمين من غير الإخوان. وعلاوة على ذلك، ستواصل أفرع الجماعة فى أنحاء العالم نشر رؤيتها فى أسلمة العالم من جذوره، بداية من الأفراد إلى العائلات، ثم المجتمع، ثم الدول، حتى تتحقق الأيديولوجية النهائية للجماعة. بالتأكيد يمكن إعادة بناء الجماعة تنظيمياً، لكن كلما طال الوضع القائم، أصبح من الصعب إعادة البناء من جديد».
ويرى «تراجر» أنه من الصعب التنبؤ بما سيحدث مستقبلاً، لكن ما يمكن التأكد منه هو أن العام الذى حكم فيه الإخوان تسبّب فى زيادة الأوضاع سوءاً بالدولة، فقد سارعت الجماعة إلى الحكم دون أجندة سياسية شاملة، واختاروا الدخول فى معارك مع كل المؤسسات السياسية تقريباً وصنعوا عداوات كثيرة مع القوى السياسية، كما أنهم تسبّبوا فى وصول البلاد إلى حافة الصراع الأهلى. ويضيف «تراجر»: «بالطبع لا يرى قادة الإخوان الوضع على هذا النحو. هم يعتقدون أن عزل (مرسى) كان نتيجة مؤامرة داخل الدولة المصرية، وتعهّدوا بالانتقام، ولهذا فإن حصلوا على فرصة ثانية، فإنهم على الأرجح مستعدون لتكرار الأخطاء نفسها دون أى تغيير».
الباحث الأمريكى يقول إنه رغم أن المشاورات التى دارت فى المؤسسة العسكرية فى الأشهر القليلة التالية لإعلان تولى «مرسى» الحكم رسمياً غير معروفة، فإن الإشارات التى ظهرت كلها فى هذا الوقت تشير إلى أن قادة الجيش كانوا ينوون التعاون مع «مرسى» لتخطى أزمة البلاد، والواضح وقتها أن قادة الجيش كانوا يعون جيداً الدرس الذى تعلموه فى الفترة الانتقالية وحكم المجلس العسكرى، وكان واضحاً أيضاً أنهم ليسوا على استعداد أبداً لتكرار التجربة نفسها من جديد.
قادة الإخوان ألقوا اللوم على «واشنطن» واتهموها بدعم المظاهرات.. والمسئولون الأمريكيون: توقفوا عن تلك الاتهامات.. ولو قدّم «مرسى» تنازلات قبل أسبوع واحد من المظاهرات لاختلف الوضع.. وكل من التقيتهم من «الإخوان» أجمعوا على أنهم لم يتوقعوا ما حدث
الباحث الأمريكى لفت أيضاً إلى جلسة «الكونجرس» التى ألقى فيها مدير الأمن القومى الأمريكى جيمس كلابر شهادته عن الأوضاع فى الشرق الأوسط، وقال إنه حينما سأل «كلابر» عن جماعة الإخوان فى مصر، وما إذا كان يعتبرها خطراً بسبب أيديولوجيتها المتطرفة». وجاءت إجابة «كلابر» بالنفى القاطع لهذا الأمر، وأكد أن الجماعة فى مصر تُعتبر علمانية، وسبق أن رفضت عنف «تنظيم القاعدة». وقال «تراجر»: «ربما يكون (كلابر) محقاً فى بعض الأمور، ومن بينها أن الجماعة تخلت عن العنف، لكن الحقيقة أنه كان مخطئاً أيضاً فى عدة أمور، ومن بينها أن الجماعة دعت إلى إقامة دولة تستند إلى الشريعة الإسلامية فى مصر، وهو ما يعنى أن الجماعة (ليست علمانية) كما قال (كلابر)، كما أن حقيقة أن قادة الجماعة بأكملها من الرجال، وأن أعضاءها بالكامل من المسلمين فقط، ينفى عنها صفة التنوع التى ألصقها (كلابر) بها». وأضاف «تراجر»: «بهذا الشكل، فإن خطأ (كلابر) فى توصيف الجماعة ما هو إلا بادرة كانت تدل على سوء حكم إدارة (أوباما) على الربيع العربى بشكل عام. كما أن تأكيد (كلابر) أن الجماعة (معتدلة) لم يكن إلا مجرد تكرار لأغلب المحللين الأجانب الذين اعتقدوا فى هذا الوقت أن الجماعة (معتدلة) بالفعل».
«تراجر» قال إن فكرة «اعتدال» جماعة الإخوان نبعت فى الأساس من تحليلات مراكز الأبحاث والجامعات الغربية، التى زعمت أن «الإخوان» هم الجماعة الإسلامية المعتدلة التى يمكن التعاون معها لمكافحة الإرهاب وتنظيم القاعدة، إلا أن الحقيقة هى أن فكرة «اعتدال» الإخوان سقطت تماماً بسبب سلوكهم الاستبدادى فى الحكم فى مصر، ونُزعت تلك الحجة نهائياً عن الجماعة، وليس لأن الجماعة غيّرت أهدافها وسلوكها جذرياً بعد أن أصبحت فى الحكم، وإنما لأن من ألصقوا بها صفة «الاعتدال» من المحللين أخطأوا فى الخلط بين تكتيكات الجماعة فى الوصول إلى أهدافها السياسية، وبين أهدافها الشمولية والمعادية للغرب والمتأصلة فيها منذ نشأتها.
وسرد الباحث الأمريكى مراحل الانضمام إلى الجماعة وأيديولوجيتها منذ تأسيسها على يد حسن البنا، مؤكداً أن «(الإخوان) لم تكن أبداً جماعة معتدلة أو ديمقراطية بأى شكل من الأشكال. وهى جماعة تسعى إلى السيطرة الكاملة على أعضائها حتى تتمكن من حشدهم لتعزيز وتنفيذ تفسير (البنا) السياسى للإسلام على أنه (تفسير شامل جامع). وهى جماعة على استعداد لقبول الآليات المؤسسية والانتخابية كوسيلة للوصول إلى السلطة، لكن هدفها النهائى استبدادى وثيوقراطى، فهى تسعى إلى نشر مفهوم الدولة الإسلامية وتأسيس دولة إسلامية تتحدى الغرب. وبعد سقوط (مبارك)، كانت هى الجماعة الوحيدة فى الدولة التى لديها منظومة عاملة، لذلك كانت لديها الفرصة غير المسبوقة لنشر رسالتها فى المجتمع المصرى».
الجماعة لم تلتزم بوعودها ورفعت شعار «نحن فوق كل شىء».. و«مرسى» لم يُرسل إشارات ثقة تؤكد قدرته على وضع مصر فى مسار أفضل.. وقرارات «مرسى» كانت تؤدى إلى تأجيج الوضع وتحفيز المظاهرات.. وقادة الإخوان ادّعوا أن المعارضة دليل سيرهم على الطريق الصحيح.. وسلوك «الإخوان» استبدادى.. و«الجماعة» لم تكن معتدلة أو ديمقراطية أبداً منذ نشأتها.. وتسعى إلى السيطرة الكاملة على أعضائها لتتمكن من حشدهم
«تراجر» أشار إلى مساعى «الإخوان» فى فترة حكم المجلس العسكرى إلى تسريع عملية الانتقال السياسى والدفع نحو الموافقة على التعديلات الدستورية وإجراء الانتخابات سريعاً قبل صياغة دستور جديد، وقال الباحث الأمريكى إن «الإخوان كانوا متأكدين من كونهم سيحصلون على أغلبية ساحقة فى الانتخابات البرلمانية، وعلى هذا الأساس حشدوا نحو الموافقة على استفتاء التعديلات الدستورية حتى تتسنى لهم المشاركة بقوة فى صياغة دستور جديد يمكنهم من خلاله تنفيذ الأجندة التى وضعها حسن البنا مؤسس الجماعة».
«تراجر» يرى أن السبب الأساسى فى الصعود والسقوط السريع لـ«الجماعة»، كان حالة التضارب والغموض التى أحاطت مشروع «الإخوان» أنفسهم، فعلى سبيل المثال كان مشروع النهضة الذى دعوا إليه ما هو إلا دعوة إلى العمل، لكن «العمل من أجل ماذا؟». ويضيف «تراجر»: «العمل من أجل الوصول إلى السلطة، واستغلال سلسلة القيادة الخاصة بالجماعة لأغراض جديدة هى الترويج لأهداف الإخوان فى وسائل الإعلام والسعى نحو الحصول على جزء من السلطة وتطبيق سياسات الجماعة».
«لكن.. ما هذه السياسات؟ ماذا يعنى تطبيق الشريعة فى الحكومة».. هذا أمر لم يُفسره القيادى الإخوانى خيرت الشاطر أبداً، فقد كانت الجماعة تسعى إلى تطبيق الأيديولوجية الفكرية لـ(البنا) دون النظر إلى التفاصيل، حيث كان سيتم النظر إلى التفاصيل لاحقاً، ولا يهم أى شىء آخر دون تطبيق هذه الأيديولوجية».
وفى إطار تأكيد «تراجر» أن «الإخوان» لم يكونوا معتدلين كما وصفهم بعض المحللين الغربيين، قال الباحث الأمريكى: إن «حقيقة أن حزب الحرية والعدالة اختار مجموعة معينة لترشيحها من الجماعة للانتخابات البرلمانية، كانت تعنى أن هؤلاء المرشحين سيكونون تابعين لمكتب الإرشاد وقراراته. وبالطبع، أغلب هؤلاء المرشحين أقسموا على إطاعة أوامر مكتب الإرشاد وقادة الجماعة. وهذا، بمعنى آخر، دليل على أنهم مؤدلجون يمكن الثقة بهم لتطبيق الأجندة الإسلامية للجماعة فى البرلمان، وليسوا أصحاب مبادرات أو مقاربات يمكنهم تقديم تنازلات لتأكيد اعتدالهم فى السلطة، كما يزعم بعض المحللين الغربيين».
ويضيف «تراجر»: «ربما لم تكن نتيجة الانتخابات البرلمانية التى حصد فيها الإخوان أكثر المقاعد مفاجئة للبعض، كون الجماعة كانت الفصيل السياسى الوحيد الذى يمتلك قاعدة شعبية يمكنه تحريكها كيفما شاء. لكن ليس هذا ما توقعه الإخوان أنفسهم، لصعودهم إلى السلطة فور سقوط (مبارك) عن الحكم، فقد كانت الجماعة تعتقد أن وصولها إلى السلطة سيكون عملية أبطأ فى وتيرتها وأكثر حذراً، خصوصاً أنهم كانوا يسعون إلى السيطرة من خلال التحالف مع أحزاب ضعيفة يسيطرون عليها دون الحاجة إلى التفوق العددى عليهم، لكن هذه الفكرة فشلت وحقّق الإخوان مسعاهم رغم ذلك، وفور أن حدث هذا، سيطر الإخوان على السلطة للمرة الأولى فى تاريخهم الذى يمتد إلى ثمانية عقود، أو هكذا ظنّت على الأقل».
«كان أيضاً من بين الأخطاء التى ارتكبتها إدارة (أوباما)، الدعم المطلق للإخوان، خصوصاً فى نهاية 2011، حين تم إجراء جولة واحدة فقط من الانتخابات البرلمانية التى أجريت على 3 مراحل، وبعد أن فاز الإخوان فيها بالأغلبية، توجّه رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وقتها جون كيرى والسفيرة الأمريكية آن باترسون إلى مقر الإخوان، وأعربوا عن الدعم الأمريكى المطلق للجماعة، أملاً فى التعاون معها، ووقتها قال (كيرى) لـ(مرسى) إنه لم يكن متفاجئاً بفوز الإخوان فى الانتخابات. وفى المقابل رد الإخوان بأنهم يحترمون كل المعاهدات والمصالح الأمريكية، لكن هذا الأمر تصريحات معتادة متناقضة من جانب الإخوان، فقبل 3 أشهر فقط، دعت الجماعة إلى استفتاء شعبى على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل».
ويضيف «تراجر»: «لم يكن هذا هو الدعم الأمريكى الوحيد، فبعدها بشهر تقريباً، التقى نائب وزير الخارجية الأمريكى ويليام بيرنز بـ(مرسى)، ووجّه إليه التهنئة بالفوز بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية، وأكد له الدعم الأمريكى اقتصادياً وسياسياً، رغم أن الانتخابات لم تكن قد انتهت بعد». وتابع: «الإدارة الأمريكية كانت تسعى فى كل لقاء مع الإخوان إلى تأكيد أهمية الديمقراطية، وبالطبع أى جماعة ستكون أكثر ديمقراطية من جماعة غير منتخبة وغير قانونية تُسيطر على حزب سياسى من وراء الكواليس؟».
أفرع «الجماعة» ستواصل نشر رؤيتها فى «أسلمة العالم».. واستمرار الوضع القائم يجعل إعادة بناء «التنظيم» أصعب
اللحظة التى شعر فيها الإخوان بالخطر، هى الفترة التى تصاعدت فيها الخلافات بين المجلس العسكرى الحاكم وقتها والإخوان، فرغم حصول الإخوان على الأغلبية البرلمانية فى مجلسى الشعب والشورى، شعروا بأنهم بلا صلاحيات ولا نفوذ، ولهذا بدأ الإخوان بالتفكير فى التراجع عن وعدهم المستمر بعدم ترشيح أى شخصية إخوانية للانتخابات الرئاسية. وأضاف «تراجر»: «ليس هذا السبب الوحيد للتراجع عن هذا الوعد، بل إن الحقيقة هى أن الجماعة كانت تبحث عن مخرج للتراجع عن وعد عدم ترشيح شخصية إخوانية للرئاسة منذ اللحظة التى قطعت فيها هذا العهد على نفسها».
«تراجر» نقل عن القيادى الإخوانى محمد على بشر، فى مقابلة جرت فى 14 أكتوبر 2014، قوله إنه «بحلول فبراير عام 2012، كانت الجماعة لا تزال تبحث عن مرشح يواجه عبدالمنعم أبوالفتوح الذى تحدّى قرار الجماعة بالترشح للانتخابات الرئاسية، وكان على الإخوان أن يختاروا مرشحاً يمكنهم دعمه بشكل غير علنى، وتم استبعاد سليم العوا بسبب عدم شعبيته، واستبعاد حازم أبوإسماعيل بسبب (تطرّفه الزائد وعدم إمكانية التنبؤ بتصرفاته)، كما عرض الإخوان على المستشار حسام الغريانى، لكنه رفض، وقال إنه (رجل مستقيم.. وهذه الفترة تحتاج إلى رجل سياسى يمكنه اللعب بالمنطقة الرمادية، ويمكنه تقديم تنازلات واتخاذ قرارات صعبة)، وبعدها عرض مكتب الإرشاد على المستشار محمود مكى، لكنه رفض هو الآخر».
وفى المقابلة ذاتها مع «بشر»، سرد القيادى الإخوانى لـ«تراجر» تفاصيل الاجتماع الطارئ الذى أجراه مجلس شورى الإخوان فى 31 مارس 2012، للتصويت على مسألة تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية، وجاءت نتيجة التصويت متقاربة، حيث صوّت 56 شخصاً لصالح اختيار مرشح إخوانى للانتخابات الرئاسية، بينما صوت 52 بالرفض. وأضاف «بشر» لـ«تراجر»: «بعدها بدأت لجنة مجلس شورى الإخوان فى اختيار المرشح، وصوت نحو 70% من الأعضاء لصالح خيرت الشاطر، بينما حصل (مرسى) على نسبة 60% من الأصوات فى التصويت الثانى لاختيار مرشح احتياطى».
ويضيف «تراجر»: «فاز (مرسى)، وبعدها بدأت مرحلة جديدة لم يكن الإخوان أنفسهم يتوقعون خوضها، فخلافاً لكل توقعات الجماعة، لم يتنبّأ أحد بأن (مرسى) ينوى أن يورطهم بهذه السرعة فى معركة سياسية لعودة البرلمان المنحل، وهو ما ظهر جلياً من خلال لقاء مع عمار البلتاجى، الذى أكد لى أن مكتب الإرشاد حين أمر بنزول الإخوان للتظاهر دعماً لقرارات الرئيس، لم تكن تلك المظاهرات على المستوى الأعلى، وإنما كانت على مستوى ضعيف من المشاركة».
متظاهرو «30 يونيو» كانوا ينوون إجبار المؤسسة العسكرية على التفاعل معهم بـ«حصار القصر الرئاسى والوزارات».. والخطة البديلة «إغلاق المصانع وتهديد حالة الاقتصاد».. ومظاهرات «30 يونيو» قد تكون الأكبر فى تاريخ مصر.. وتسليح «الجماعة» عناصرها أمام «الاتحادية» أغبى قراراتهم.. و«الإخوان» على استعداد لقبول الآليات المؤسسية والانتخابية كـ«وسيلة» للوصول إلى السلطة
«الأزمة الحقيقية بالنسبة إلى (الإخوان) لم تكن أمراً جديداً، فخلال 8 عقود كاملة ظل الإخوان يدعون إلى أن (الإسلام هو الحل)، لكن أى حل هذا؟ فمثلاً، كيف تختلف القوانين الضريبية المتوافقة مع الشريعة عن القوانين السابقة؟ وكيف تختلف قوانين الإسكان القديمة عن القوانين المتوافقة مع الشريعة الإسلامية؟ ليست هذه أزمة جديدة بالنسبة إلى (الإخوان)، فهم يدعون إلى الأمر دون تفسيره، وعلى الأرجح لم يكن لديهم تفسير، وهذه المعضلة نفسها التى واجهتهم عام 2000 حين فازوا بعدد من مقاعد مجلس النواب».
ويضيف «تراجر»: «مشروع النهضة هو المشروع الإخوانى لإنشاء دولة إسلامية فى مصر، وهو المشروع الذى رأى فيه (البنا) نهضة الإخوان فى جميع أنحاء العالم الإسلامى. وقد كان العمل على هذا المشروع بعد عام 2011 ينقسم إلى فريقين من الإخوان، الأول فى منطقة شمال القاهرة ويعمل تحت إدارة نائب المرشد خيرت الشاطر، وقد كان يُركز على السياسات الاقتصادية والتجارية. والثانى يعمل فى منطقة المنيل تحت قيادة الإخوانى أحمد سليمان، وقد كان يبتكر خططاً لنشر أجندة الإخوان فى مؤسسات الدولة ومحاولة السيطرة عليها».
«خلال الأشهر القليلة التالية لتنحى (مبارك)، ظل الإخوان يروجون لفكرة أن مشروع النهضة هو منصة سياسية عمل عليها أكثر من ألف مصرى، وشاركوا فى صياغتها بمشاورات مع قادة سياسيين واقتصاديين فى دول نامية أخرى. لكن، فى الواقع، كان الإخوان (عرايا)، وبعيداً عن السياسة، لم يكن مشروع النهضة سوى مجموعة من المبادئ والطموحات التى تم مزجها معاً دون وجود خطة حقيقية على أرض الواقع لتحقيق أىٍّ من تلك الطموحات. وعلى سبيل المثال، كان هدفها الاقتصادى هو رفع نسبة النمو السنوى إلى 7%.. كيف؟ لا أحد يدرى.. بل إن أحداً لا يعرف ما إذا كان لدى الإخوان خطة من الأساس لتحقيقها.. ولا أحد يعرف كيف يمكن للإخوان أن ينفذوا تلك الأهداف السامية؟ وحتى الآليات التى طرحوها للتنفيذ لم تقدم أى سياسة شاملة يمكن تنفيذها أو الاعتماد عليها فى تحقيق الهدف. وبالطبع لم يوفر مشروع النهضة كذلك أى تفاصيل حول تلك الآليات أو كيفية تمويلها حتى».
الباحث الأمريكى يؤكد أنه «حتى على المستوى النظرى، لم يكن مشروع النهضة سوى (خليط موحل) من الأفكار». ويؤكد أن هذا المشروع «احتوى على مجموعة من الأفكار الرأسمالية دون وجود رؤية شاملة عن الدور الذى يجب أن تلعبه الدولة فى إدارة الاقتصاد». وكذلك كان المشروع الإخوانى يحتوى على مجموعة من العناصر لإضفاء الصبغة الإسلامية عليه، مثل تعزيز إنشاء مؤسسات مالية إسلامية ورفض فوائد البنوك واستخدام الزكاة والوقف لمكافحة الفقر. ويضيف «تراجر»: «لم يكن هذا ما يُعيب هذا المشروع فقط، بل إن بعض بنوده تتعارَض مع بعضها، فمثلاً كيف يمكن توسيع مظلة الضمان الاجتماعى لتشمل كل المصريين، فى الوقت نفسه الذى يسعى فيه المشروع إلى تخفيض الدين الداخلى والخارجى بنسبة 15% سنوياً، خصوصاً دون وجود أى خطة متماسكة لجذب الاستثمارات؟».
وفى ما يتعلق بمشروع الإخوان الأساسى الذى قامت الجماعة عليه على أيدى «البنا»، لم يعرض مشروع النهضة أى أفكار عن كيفية بناء تلك الدولة الإسلامية فى مصر. ويقول «تراجر»: «الجزء المتعلق ببناء الدولة الإسلامية فى مصر لم يُقدّم أى شىء، بل إنه كان مبهماً، وحتى حين ذكر الإخوان فى مشروعهم أنهم سيستخدمون مبادئ الشريعة كإرشادات فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية.. ما معنى هذا؟ وكيف سيتحقق؟ لم يذكروا أى شىء».
وسرد «تراجر» تفاصيل لقائه مع القيادى الإخوانى محمود حسين بعد يوم واحد من تنصيب «مرسى»، قائلاً: «حين سألته عما يمكن أن يتغير بعد تطبيق مبادئ الشريعة.. أجابنى بأن القليل سيتغير، وأن مبادئ الشريعة لا تتعارض بالضرورة مع الحياة اليومية». وتابع: «ظننت أنه أخطأ فهمى، فأعدت السؤال بطريقة مختلفة مرة أخرى، وحينها أجابنى بأن الإخوان لم يقولوا إنهم يرغبون فى التغيير، وإنما يتحدثون فقط عن القيم، وعن الإطار العام فقط، فالشريعة لا تتدخّل فى تفاصيل الحياة». ويقول الباحث الأمريكى إنه فوجئ كثيراً بهذا الرد، فكيف يمكن أن تصدر مثل هذه الإجابة عن شخص قضى عقوداً فى مساعى «تطبيق الشريعة الإسلامية»، وتم سجنه من أجل قضيته؟ واتضح أنه لا يمتلك أى مفهوم عن السياسات الإسلامية، وأن لا شىء سيتغير من الأساس.
«بعدها بأسبوع.. طرحت السؤال نفسه على القيادى الإخوانى عبدالرحمن البر، لكن من جديد لم أجد إجابة شافية. لم يقل لى سوى إن (ما سيتغير هو أن المجتمع بأكمله سيُدرك أنه يتعاون من أجل تحقيق القيم السامية. حين يتم تطبيق الشريعة سيُطيع الناس القوانين ليس كقطيع غنم، وإنما بسبب الروح الأخلاقية للإسلام». ويبدو أن كل من استضفتهم فى هذا الوقت لم يكن لديهم أدنى فكرة عن أى شىء يتعلق بهذا المشروع الذى ليست له ملامح واضحة. ومع ذلك، فإن افتقار الإخوان لأجندة سياسية محدّدة يتسق تماماً مع رؤية حسن البنا مؤسس الجماعة».
بعد فوز «مرسى» وبدء تشكيل الحكومة الجديدة، وضع الإخوان أعينهم على الوزارات المختلفة، لكن لم يكن من الممكن أن يتم تعيين أعضاء الجماعة فى كل المناصب الحكومية، لهذا عكف فريق الإخوان على وضع استراتيجية لـ«مرسى»، لاختيار الوزارات التى يجب أن يُسيطر عليها الإخوان والوزارات الأخرى التى يجب منحها للتيارات السياسية المختلفة، وقد اختار الإخوان السيطرة على كل الوزارات الخدمية، مثل التعليم والنقل والصحة والإسكان، إضافة إلى الوزارات الإنتاجية الأخرى، مثل الزراعة والصناعة والطاقة. وتابع «تراجر»: «اختار الإخوان وزارات التعليم والإسكان والقوى العاملة والشباب، للسيطرة عليها فى التشكيل الأول للحكومة بعد تولى (مرسى)، ورغم أنها ليست الوزارات الأقوى، فإنها بالتأكيد تعكس أمراً مهماً وتسلط الضوء على استراتيجية الجماعة لنشر أيديولوجيتها فى مصر بالكامل. بمعنى أنه من خلال السيطرة على تلك الوزارات، يمكن للإخوان نشر رسالتهم فى أوساط الطلاب والشباب والاتحادات العمالية».
ويضيف «تراجر»: «بعد الإعلان الدستورى لـ(مرسى) وإقالة المشير طنطاوى والفريق عنان، وجد الإخوان أن الفرصة سنحت لهم أخيراً للسيطرة على كل شىء، ولأن (مرسى) ليست لديه رؤية حقيقية سوى أن يشغل أكبر قدر ممكن من المناصب الحكومية بالإخوان، بدأ (مرسى) فى اختيار إخوان أو متعاطفين مع الإخوان للمناصب الحكومية الرفيعة، ولم يقدم أى شىء يمكن أن يُسمى بأنه كان يحكم الدولة فعلاً». وقال الباحث الأمريكى: «بعدها بأسبوعين فوت (مرسى) فرصة جديدة لإثبات وعوده بأنه يسعى إلى عدم إقصاء أى فصيل سياسى بعد أن أعلن فريقه الرئاسى المكوّن من 21 شخصاً من بينهم 15 على الأقل من الإسلاميين أو أعضاء الأحزاب الإسلامية. وبعدها جاء تعيين المحافظين الذى سيطر فيه الإخوان والإسلاميون أيضاً على الأغلبية».
الباحث الأمريكى يقول إنه «للحق، لم يكن (مرسى) يتخطى حدود صلاحياته فى تعيين من يشاء فى المناصب الحكومية.. لكن الأزمة بالنسبة إليه هى أن (مرسى) بعد شهرين من تولى المنصب لم تكن لديه أى رؤية يمكن الاعتماد عليها، وفشل فى إعادة العمل بالبرلمان المنحل، وكل القرارات التى كان يتخذها كانت سياسية بالمقام الأول ولا تهدف إلى تحقيق استراتيجية محدّدة تنمو بالدولة، كما أنه لم يُقدّم أى جديد للاقتصاد أو الصحة أو التعليم».
«تراجر» يؤكد أن إدارة «أوباما» كانت تخشى انتقاد حكومة الإخوان و«مرسى»، خوفاً من رد فعلهم تجاه الإدارة الأمريكية، خصوصاً أن عدداً كبيراً من المسئولين الأمريكيين أكدوا أن «مصر مهمة بشكل كبير، إلى درجة أنه لا يمكننا أن نجعل من رئيسها الجديد عدواً لنا». ويضيف «تراجر»: «لكن الخطأ الأكبر الذى ارتكبته الإدارة الأمريكية هو أنها كانت تظن أن الإخوان يخافونها أيضاً، وكانت إدارة (أوباما) تخشى إثارة حفيظة الإخوان تجاه أى أمر».
حلّ شهر نوفمبر من عام 2012، ليُقدم فرصة ذهبية لـ«مرسى»، ليُقنع العالم بمدى صلاحيته كرئيس لأهم دولة عربية، فمع الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة، والحرب التى اندلعت بين حركة «حماس» والجيش الإسرائيلى، وضعت الولايات المتحدة أنظارها على «مرسى»، لترى كيف سيتصرف فى هذا الوضع، لكنه أحبطها إلى درجة أن «أوباما» اتصل بـ«مرسى»، وتحدّث إليه بلهجة حادة دفعت «مرسى» إلى تغيير موقفه والتوسّط لإنهاء الحرب، وبالفعل حدث هذا، وبات «مرسى» فى نظر العالم قائداً براجماتياً قادراً على إدارة شئون الدولة المصرية. لكن، حسب «تراجر»، لم تكد تمر 24 ساعة فقط «حتى تغيرت تلك النظرة العالمية إلى النقيض تماماً»، بعد أن أصدر «مرسى» الإعلان الدستورى.
الباحث الأمريكى فنّد أيضاً محاولات «الإخوان» للدفاع عن الإعلان الدستورى لـ«مرسى» وتحصينه من القضاء بشكل يتعدّى على استقلال القضاء والفصل بين السلطات. وقال «تراجر»: «مَن دافعوا عن الإعلان الدستورى أغفلوا عمداً بعض النقاط الرئيسية، وهى أن القضاء لم يكن عدواً لـ(مرسى)، بدليل أن القضاة أشرفوا على كل الانتخابات التى تلت تنحى (مبارك)، وفاز فيها الإخوان، كما أن القضاة هم من أشرفوا على إدلاء (مرسى) باليمين الدستورية، والأهم من ذلك أن كل معركة دخلها الرئيس الأسبق مع القضاء كان هو من يبدأها ويُحرّض عليها».
«مع تفاقم الأزمة واندلاع مظاهرات واشتباكات عنيفة بين المتظاهرين المعارضين لـ(مرسى) وأنصار الإخوان وقوات الأمن، أصر الإخوان على موقفهم، ودفعوا مصر التى تعانى فى الأساس من حالة استقطاب سياسى عنيفة إلى الهاوية، ووضعوا الدولة بأكملها على خيار (إما مرسى وإما الشرعية)، أو المعارضين للإسلام. وكانت هذه إشارة واضحة من الإخوان إلى كوادرهم: أنتم لا تقاتلون من أجل رئيسكم فقط، وإنما من أجل الدين أيضاً».
وأضاف «تراجر»: «نظرياً، كان بإمكان الإخوان احتواء الأزمة وإعادة النظر فى قرارات (مرسى) خلال الأسبوعين الأخيرين من نوفمبر عام 2012، لكن من منظور قادة الإخوان، لم يكن عليهم تقديم أى تنازلات، فقد فاز (مرسى) بالانتخابات، ولديه الشرعية لاتخاذ كل الخطوات المناسبة أياً كانت، لتحقيق أجندة الإخوان». وتابع: «رغم كل ما حدث، ورغم أن (مرسى) مارس الديكتاتورية بكل أشكالها، فإن الإدارة الأمريكية واصلت دعمها له، بل إن مسئولين من الإخوان زاروا (واشنطن) فى ذروة الاحتجاجات والاشتباكات بعد الإعلان الدستورى الأول والثانى، وحين التقى عصام الحداد مع مستشار الأمن القومى الأمريكى توم دونيلون فى (البيت الأبيض)، مر (أوباما) وجلس مع (الحداد) لمدة 40 دقيقة. وبعدها بيومين، أخبرنى مسئول بمجلس الأمن القومى الأمريكى أن الرئيس أوباما ومرسى يتمتعان بعلاقة شخصية جيّدة، وأنهما تحادثا معاً نحو 6 مرات خلال أزمة قطاع غزة، وأن هذا الأمر أفضل ما لدى إدارة (أوباما)».
الباحث الأمريكى تهكّم على تصريحات المسئول بمجلس الأمن القومى بشأن «العلاقة الشخصية الجيّدة» بين «مرسى» و«أوباما»، وقال «تراجر»: «ليست هناك حاجة إلى السخرية من فكرة أن هناك علاقة شخصية بين اثنين بسبب 6 مكالمات فقط جرت بينهما. لكن الحقيقة أن تصريحات هذا المسئول جاءت لتُوضح منطق إدارة (أوباما) فى التعامل مع (مرسى)، وهو أنه بغض النظر عما إذا كان (مرسى) ديمقراطياً أم لا، فإنه لا يزال قائداً منتخباً، وأنه سيظل فى منصبه لمدة 4 أعوام، ولهذا كان منطق الإدارة الأمريكية: لماذا ننتقده ما دام سيمكث فى المنصب 4 أعوام؟ ولماذا نضغط عليه لوقف الاستفتاء على الدستور، ما دام المصريون سيُصوتون على أى حال؟».
فى الخامس والعشرين من ديسمبر عام 2012، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات نتائج استفتاء الدستور التى جاءت بـ64%، لصالح الموافقة عليه، لكن -حسب «تراجر»- كان يجب أن تثير تلك النتيجة انتباه «مرسى» و«الإخوان»، حيث كانت تلك النسبة أقل نسبة «نعم» فى تاريخ مصر الحديث، كما أنها كانت أقل نسبة إقبال على الإطلاق بنسبة 33%، مما يعنى أن 21% فقط من إجمالى عدد الناخبين المسجّلين فى مصر هم الذين وافقوا على الدستور الجديد. ويضيف «تراجر»: «النتيجة كانت تعنى أن كتلة حرجة، وعلى الأقل أغلبية كبيرة، ترفض حكم الإخوان، وهذا أدى -نوعاً ما- إلى وجود دلائل واضحة على أن المصريين لن يستمروا فى اللعب بهذه الطريقة، وأنهم سيسعون إلى تغيير سياسى بأى شكل ممكن. لكن «مرسى» والإخوان لم يروا الأمر بهذا الشكل، وكل ما كان يهمهم هو أن (الفوز فوز) حتى لو بنتائج ضئيلة، فقد فازوا على أى حال».
«بعد الاستفتاء بات لدى (مرسى) والإخوان الثقة الكافية فى أنفسهم، رغم المعارضة الكبيرة لهم، وبدأ فى إجراء تعديل وزارى ضم من خلاله إما أعضاءً بالجماعة وإما المتعاطفين معها، إلى الحكومة، ومع كل قرار كان يتخذه هؤلاء الوزراء الجدد، يظهر انعدام الخبرة وانعدام الكفاءة لديهم، بشكل تسبّب فى تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير فى مصر. والحقيقة أن المصريين لم تكن لديهم مشكلة مع فكرة وجود الإخوان المسلمين فى الحكم، وإنما مع فكرة أنهم ورئيسهم يفشلون فى الحكم ويضعون البلاد على حافة الهاوية».
وأضاف «تراجر»: «دفع الإخوان بقوة نحو سرعة إجراء الانتخابات البرلمانية ومهّدوا الطريق لهذا الوضع فعلاً، اعتقاداً منهم أن إجراء الانتخابات البرلمانية سريعاً سيمنحهم انتصاراً انتخابياً آخر يوفر لهم الظهير المناسب لاتخاذ قرار خفض الدعم المؤلم واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولى وتنفيذ الإجراءات الاقتصادية القاسية لمحاولة إصلاح ما فسد فى الاقتصاد المصرى». ويقول الباحث الأمريكى: «رغم كل ما فعله (مرسى) من أخطاء وديكتاتورية، إضافة إلى محاولات تقاربه مع إيران وإثارة مسألة الشيخ عمر عبدالرحمن الذى كان معتقلاً فى السجون الأمريكية، فإن الإدارة الأمريكية واصلت ظنّها أن ما يهم هو أن (مرسى) يتعاون معها فى ما يتعلق بالمسائل الاستراتيجية، ولم يتراجع عن اتفاقية (كامب ديفيد)، وأن كل ما يفعله إما (إيماءات رمزية) لا معنى لها، وإما (خطابات دعائية)».
وحسب «تراجر»، فإن «(مرسى) كان يفتقر إلى أجندة سياسية شاملة، وبالتالى لم يكن يرسل أى إشارات توحى بالثقة بأن بإمكانه أن يضع البلاد على مسار أفضل. كما أن الإخوان كانوا يجعلون الأمور أسوأ فى كل يوم أكثر من اليوم السابق عليه، خصوصاً حين أعلن مجلس الشورى أنه يسعى إلى إدخال إصلاحات على النظام القضائى، وهو ما يُعد انتهاكاً مباشراً لوعود (مرسى) بأن القضاة سيكونون طرفاً فى أى تغييرات مقترَحة على قوانين القضاء، بالإضافة إلى ذلك، بدأت حكومة (مرسى) فى تهديد النشطاء السياسيين، خصوصاً أن اعتقال الناشط أحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل، جاء فى وقت مثير للشكوك، بالإضافة إلى اعتداء حكومة الإخوان على وسائل الإعلام التى تنتقد أداءهم فى الحكم».
الباحث الأمريكى لفت تحديداً إلى واقعة تحويل النائب العام فى عهد «مرسى»، مدير تحرير ومحرر بجريدة «الوطن»، إلى محكمة الجنايات بسبب التشهير ونشر أخبار كاذبة تسعى إلى زعزعة السلم العام وإثارة الذعر، حسبما قيل وقتها فى بيان للنائب العام. ويضيف «تراجر»: «رغم الزخم الذى حظيت به حركة (تمرد)، ورغم التأييد الكبير لتلك الحركة، فإن المتظاهرين كانوا على يقين بأن هذا الأمر غير كافٍ لدفع المؤسسة العسكرية نحو التفاعل مع المظاهرات، خصوصاً فى ظل التصريحات المتكرّرة التى خرجت عن قادة المؤسسة العسكرية يؤكدون فيها عدم رغبتهم بالعودة إلى السلطة أو الانخراط فى السياسة من جديد، ولهذا قرّر النشطاء -حسبما نقل لى بعضهم- أن يجبروا المؤسسة العسكرية على التدخّل، وخطط النشطاء لتصعيد المظاهرات حتى بعد 30 يونيو، ووفقاً لإحدى الخطط التى اطلعت عليها وقتها، فإن المتظاهرين كانوا ينوون حصار القصر الرئاسى ومكاتب الوزارات والمحافظات فى كل أنحاء مصر، ويواصلون هذا الحصار حتى يتدخّل الجيش».
لم تكن تلك هى الخطة الوحيدة، حسب «تراجر»، حيث كانت هناك خطة بديلة تتضمّن «إجبار الجيش والشرطة على التدخّل من خلال محاصرة مناطق التظاهرات بالسيارات، وهو ما سيدفع الجيش والشرطة إلى التدخّل، إما من خلال دعم المظاهرات وإما من خلال استخدام القوة ضدهم، وهو ما سيؤدى إلى اشتعال المظاهرات، كما كان قادة حركة الاحتجاجات فى المحافظات ينوون إغلاق المصانع الكبرى، اعتباراً من بداية يوليو، وهو ما يُهدد حالة الاقتصاد المترهلة بالأساس ويجبر المؤسسة العسكرية على التدخل».
محمود رشاد عضو المكتب الإعلامى لحزب «الحرية والعدالة» الإخوانى، قال لـ«تراجر» بلقاء فى الشهر ذاته: إن «حسن البنا قال لنا إن هذا سيحدث قبل 70 عاماً.. لذلك أنا لست قلقاً، بل أنا واثق أننا على الطريق الصحيح. لكن -والحديث لـ«تراجر»- يبدو أن كل ما كان يفعله (مرسى) وما يتخذه من قرارات لا يؤدى سوى إلى نتيجة واحدة، وهى زيادة الأوضاع سوءاً وتحفيز العنف والمظاهرات».
ويضيف «تراجر»: «الأوضاع المتدهورة سريعاً فى مصر والمناخ السياسى أثار قلق (واشنطن). وبعد أشهر من محاولات (إصلاح وتعديل) سلوك (مرسى) فى الحكم، بدأ المسئولون الأمريكيون يعترفون (فى الاجتماعات الخاصة والمغلقة) بأن هذه السياسة الأمريكية تجاه (مرسى) كانت فاشلة إلى أقصى الحدود، وأن سياسات (مرسى) الإقصائية تسبّبت فى حالة من الاغتراب بالمجتمع المصرى، وتسبّبت السياسات الأمريكية فى إثارة حالة من الشعور بأن الولايات المتحدة تدعم الإخوان مباشرة».
الأيام الأخيرة لـ«مرسى» فى الحكم -حسب «تراجر»- كانت مليئة بكل أنواع الهجوم الذى يدفع الشعب مباشرة إلى الحشد ضده، فقد كان يهاجم الجميع من قضاء ورجال أعمال وإعلاميين ومعارضة وكل الأطراف فى مصر. ووصف البعض بأنهم «مثيرو شغب ومشكلات»، وهو ما يعنى أن «مرسى» منح معارضيه كل الأسباب الممكنة للسعى إلى عزله من الحكم، وبدلاً من احتواء التوترات والأجواء التى شهدتها البلاد، عمل «مرسى» على زيادة الأوضاع سوءاً وإشعال الأوضاع.
«بغض النظر عن الخلاف حول عدد المشاركين فى مظاهرات 30 يونيو، فلا محل أبداً للجدل حول أن هذه المظاهرات ربما تكون الأكبر فى تاريخ مصر، ولا شك أبداً حول مدى تأثير هذه المظاهرات على مصير (مرسى). كما أن تسليح الإخوان عناصرهم أمام القصر الرئاسى لحمايته، كان بمثابة أغبى التحركات التى انتهجها الإخوان وأكثرها حماقة، حيث إن ظهور ما سمته وسائل الإعلام وقتها بـ(ميليشيات الإخوان)، كان عاملاً جديداً لزرع مخاوف فى أوساط المجتمع المصرى، وأشار فقط إلى أن الأمور تتجه إلى ما هو أسوأ من ذلك».
وحسب «تراجر»، فإن «بعد ساعات من البيان التحذيرى الذى وضع مهلة 48 ساعة أمام (مرسى)، التقى مسئولون أمريكيون عصام الحداد وخالد القزاز، ودعوهما إلى العمل على حل الأزمة وإجراء انتخابات مبكّرة أو استفتاء على بقاء (مرسى)، لكن (القزاز والحداد) رفضا هذا الأمر وادعيا أن المظاهرات كانت ضئيلة، وأن الإعلام فقط هو من يصورها بحجم كبير، لكن المسئولين الأمريكيين رفضوا هذه الحجة، وقالوا إن هذه المظاهرات كانت كبيرة إلى الحد الذى أجبر المؤسسة العسكرية على التدخل إذا لم يتحرك (مرسى) لحل الأزمة. ورغم ذلك ظل (القزاز والحداد) على موقفهما، وزعما أن المؤسسة العسكرية تسعى إلى الإطاحة بالرئيس الإخوانى منذ اللحظة الأولى لانتخابه». وتابع «تراجر»: «بعدها حاول (القزاز والحداد) إلقاء اللوم على الولايات المتحدة، وقالا إن المؤسسة العسكرية لم تكن لتتحرك لو أن (واشنطن) لو لم تكن نسقت فى بداية الأمر معها، لكن المسئول الأمريكى ردّ بأن عليهما أن يتوقفا عن مثل هذه الاتهامات الغريبة».
«لم يكن هذا فقط ما حدث، فقد سادت حالة من التضارب فى الدوائر الداخلية للرئيس الإخوانى، لكن الأكثر وضوحاً -حسب من التقيتهم ممن كانوا محيطين به- هو أن (مرسى) استسلم إلى قدره، وكان يعتقد أنه ليس فى وسعه أن يفعل أى شىء آخر». وأضاف «تراجر»: «لو كان (مرسى) قدم التنازلات التى عرضها فى خطابه الأخير بشأن تشكيل حكومة ائتلافية، وتشكيل لجنة لمراجعة الدستور، قبل أسبوع واحد من هذا الخطاب، لكان الوضع اختلف كثيراً.
الباحث الأمريكى أشار إلى شهادة أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى فى عهد الإخوان، التى قال فيها: إن «مرسى» حاول التفاوض مع الرئيس عبدالفتاح السيسى حين كان وزيراً للدفاع، بتعيينه رئيساً للوزراء، لكن «السيسى» رفض. وقال «تراجر»: «المثير للعجب أن كل من التقيتهم من عناصر وكوادر الإخوان بعد عزل (مرسى) أجمعوا على أمر واحد، وهو أنهم حتى اللحظة الأخيرة لم يكونوا يتوقعون أبداً أن تكون النهاية بهذا الشكل، وأنهم حتى اللحظة الأخيرة كان قادة الإخوان يخبرون أتباعهم المتظاهرين فى ميدانى (رابعة والنهضة) بأن الجيش يقف إلى جانبهم، وليس إلى جانب المعارضين لـ(مرسى)، وهو ما يعنى أن الإخوان لم يكونوا مستعدين أبداً لما كان قادماً لهم، ومحتوماً عليهم».