ترى هل تكسر القمة العربية المنعقدة فى الأردن القاعدة وتتحول إلى استثناء فى مناقشتها لقضايا مصيرية لم تعد تحتمل الديباجات المطولة فى خطابات القادة والزعماء العرب المتخمة بالتحفيز والكلام المنمق والوعود البراقة؟ لقد هرمنا ونحن نمنى أنفسنا بفعل عربى موحد جاد يحمل الخير لأهله ويخرج عن النص المكرر والممل يترجم أفعالاً على أرض الواقع، فمع الوقت أصبحت القمم العربية لا تعدو كونها بروتوكولاً سياسياً سنوياً يجتمع فيه الرؤساء ليخرج كل زعيم ما فى جعبته من خطط وبرامج لا تتعدى قاعة الاجتماعات المنعقدة فيها، حفظنا محتواها قبل أن ينطقوا بها، ولم يعد هناك اكتراث ولا مبالاة بما يقال أو يخرج عن هذه القمم من قرارات حماسية وطنية براقة.
وعلى الرغم من الأزمات الطاحنة التى تعصف بالمنطقة العربية وتفجر الأوضاع الميدانية فى بلدان عدة، يقال إن قمة البحر الميت أظهرت إجماعاً بإعطاء القضية الفلسطينية الأولوية على أساس حل الدولتين وهو الحل الوحيد نظرياً المقبول عربياً حتى الآن! وأن المبادرة العربية للسلام التى أطلقت فى قمة بيروت عام 2002 هى المرجع الأساسى المقبول، وبدا تجاهل فى الخوض فى الإشارات الأمريكية لعقد مؤتمر إقليمى لدفع المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية ربما لذر الرماد فى العيون مؤقتاً، لكن حتى هذا التأكيد الذى دأبت عليه كل القمم السابقة، لم يعد محل اهتمام المواطن العربى، بل أصبح منبراً للتندر والسخرية فى مواقع السوشيال ميديا، فما صرح به وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى بأن قرارات القمم العربية جميلة ولكن ليس لها انعكاسات على أرض الواقع، لأنه أمر يتكرر فى كل القمم العربية، هو الحقيقة الوحيدة التى يمكن الوثوق بها! فالقضية الفلسطينية مع الوقت تحولت إلى ساحة مزايدة، كل دولة تبحث فيها عن مصالحها، وفى المحصلة تدفع فلسطين المحتلة ثمناً باهظاً نتيجة هذه المعطيات فى ضوء المتغيرات الهائلة التى حدثت فى المنطقة.
حالة اليأس لدى المواطن العربى عند الحديث عن القضية الفلسطينية وتراجع ثقته بقمم العرب لم تكن من الفراغ، لأنه يعلم مسبقاً نتائج ما يخرج عن هذه القمم، فهى مجرد حبر على ورق، ولا يوجد ترجمة حقيقية لقراراتها على أرض الواقع فى تاريخها ربما باستثناء القمة التى تلت حرب أكتوبر عام 1973، ورغم الاتفاق على مركزية القضية الفلسطينية إلا أنه يظل اهتماماً شكلياً يخلو من أى مضمون، فعجز النظام الإقليمى العربى عن حل الأزمات ووقف الانهيارات المتتالية التى تشهدها المنطقة العربية وغياب الفعل العربى المؤثر، عوامل رئيسية فى غياب الثقة الشعبية واعتماد التجاهل والسخرية بدلاً عنها، ومن حافظ على ثباته واهتمامه بما يدور فى المنطقة حرصاً وغيرة على مصير أمته، بدا الآن أكثر يأساً وإحباطاً فى كل ما تشهده المنطقة من اضطرابات مزلزلة وتغيرات متسارعة، تقتلع حتى ثوابت الجغرافيا والديموغرافيا، إذ كيف يبقى النظام العربى بعيداً عن التعامل مع أكبر أزمة تشهدها المنطقة فى تاريخها الحديث متجسدة بالمأساة السورية ويقف عاجزاً عن وقف نزيف الدم اليومى فيها ولا يحرك ساكناً؟! بل إن دولاً عربية هى جزء من الأزمة والمأساة التى حلت بسوريا، فكيف يمكن أن تكون جزءاً من الحل؟! وبأى معيار يمكن أن يثق المواطن المشغول بهموم أمته وهو يعلم جيداً أن أقطاراً عربية تتآمر على بعضها بغرض إسقاطها، أو وقوعها فى مستنقع الفتنة والصراع الطائفى وإشاعة الفوضى وتأجيج جذوة الإرهاب بغية الوصول إلى مآربها، أو تنفيذاً لمصالح وأجندات إقليمية ودولية بالوكالة، حتى باتت التحديات التى تواجهها المنطقة العربية متداخلة وحادة تسللت خلالها أيادى خارجية تعبث بمقدرات شعوب المنطقة، وفرضت تدخلات إقليمية فى الشئون العربية تحمل فى طياتها خطراً وتهديدات عابرة للحدود التى ستواجه الدول العربية كافة وستضرب أساس الدولة المستقلة ذات السيادة.
لم تعد القضية الفلسطينة وحدها التى تعانى من التآمر والجمود فهناك دول عربية عريقة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الاختفاء بعد أن مزقها الإرهاب ودمرتها الحروب وفتتها الصراع الطائفى، فماذا ستفعل قمة البحر الميت فى جسد ميت إكلينيكاً ويعيش على جهاز الإنعاش منذ عقود؟ هل ستحدث المعجزة الإلهية على ضفاف البحر الميت لتحيى الجسد وهو رميم؟ أم سيظل غارقاً فى غيبوبته تتقاذفه شطآن القرارات المهملة فى الأدراج المغلقة بعد أن تنفض الاجتماعات من خطابات الحماسة والغيرة على أوطان آخذة فى الضياع والتآكل.