يستمر الإرهاب التكفيرى فى سيناء ويمتد فى مناطق مختلفة من مصر، وينتشر الفساد بدرجة غير مسبوقة، إذ يطالع المصريون بشكل يكاد يكون يومياً أنباء القضايا التى تكشفها هيئة الرقابة الإدارية من رشاوى وحالات إهدار للمال العام وغيرها من صور الفساد فى أجهزة الدولة الرسمية وعلى كل المستويات الإدارية، وتتعاظم المشكلة الاقتصادية بعد تحرير سعر الصرف مع ارتفاع أسعار جميع السلع المحلية والمستوردة، وحتى الخدمات الحكومية!! فى هذا الوقت الصعب ترتفع أصوات فى مجلس النواب «الموقر» باقتراح مشروعات قوانين تفتح أبواب «الفتنة» فيما بين السلطة القضائية التى هى بحكم الدستور «مستقلة» بنص المادة 184 من الدستور ويجب أخذ رأى كل جهة أو هيئة قضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وذلك وفق المادة 185، إذ أقر المجلس «الموقر» تعديلاً لقانون السلطة القضائية يتم بمقتضاه تغيير آلية تعيين رؤساء الهيئات القضائية الأمر الذى يرفضه نادى القضاة والهيئات القضائية ذاتها! وفى ذات الوقت أعلن أحد النواب فى مداخلة تليفزيونية أنه بصدد تقديم مشروع قانون لتخفيض سن التقاعد لأعضاء السلطة القضائية إلى ستين عاماً، وأن سيادته سوف يتقدم بمشروع قانون آخر لتعديل قانون الأزهر الذى هو أيضاً «هيئة إسلامية علمية مستقلة» بنص المادة 7 من الدستور، التى تنص صراحة على أن شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء وليس غيرهم، كما يتردد أن مشروع القانون سوف يجعل أعضاء آخرين من خارجها يشاركون فى اختياره!! تلك القوانين التى فشل فى تمريرها مجلس الشعب أيام حكم الإخوان!!! ويأتى هذا الانشغال المفاجئ من بعض أعضاء المجلس «الموقر» بأمور ليست على قائمة الأولويات الملحة لمصر، التى يجب أن ينشغل بها هؤلاء الأعضاء، وفى الوقت الذى يتجاهل المجلس «الموقر» الوفاء بالالتزامات التى فرضها عليه الدستور، ومنها ما جاء فى المادة 241 أن يلتزم فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية، وقد انقضى هذا الدور الأول ويكاد الدور الثانى ينقضى أيضاً دون أن يصدر ذلك القانون! ويأتى انشغال أعضاء فى المجلس «الموقر» بإثارة خلافات ليست مطلوبة مع السلطة القضائية فى وقت لا يلتزم فيه المجلس بتنفيذ حكم بات ونهائى واجب التنفيذ ولا يجوز الطعن عليه أصدرته محكمة النقض المخولة دستورياً بنص المادة 107 بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، ولا يزال المجلس «الموقر» ممتنعاً عن تنفيذ الحكم الصادر بتصعيد د. عمرو الشوبكى بدلاً من منافسه، حيث إن المحكمة تيقنت من حصوله على أصوات أعلى! ثم ينشغل المجلس «الموقر» عن الاستعداد لموقعة حسم موقفه من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، هل يلتزم بحكم القضاء أم سيكون له رأى آخر!!!! ومجلس النواب «الموقر» ينشغل عن القضية الأكبر التى هو المسئول الأول عنها، ألا وهى قضية تفعيل الدستور! إن المجلس مطالب بإصدار أو تعديل أكثر من مائة قانون إنفاذاً لمواد الدستور وتحقيق مقاصده، ولا نجد خطة تشريعية للمجلس تحدد أولويات التشريعات الواجب إصدارها، بل إن المجلس ينطلق فى عمله التشريعى بحسب ضغوط الظروف. وعلى سبيل المثال فإن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية التى طالب بها الرئيس وهو يشيع جنازة الشهيد المستشار هشام بركات النائب العام السابق لم تصدر حتى فى حدود معلوماتى!! والحال هكذا، فإن بناء الديمقراطية يصبح مهمة وطنية يجب أن يشارك فيها المصريون، حيث يتيح لهم دستورهم الذى وافقوا عليه، بأغلبية تقترب من 98% من أصوات المشاركين فى الاستفتاء العام عليه، فرص تلك المشاركة، بل ويكاد يجبرهم عليها!! فقد جاء فى ديباجة دستور 2014 وهى بنص المادة 227 جزء لا يتجزأ منه تحديد لتوجهات أصحاب الدستور وهم المصريون وما يجب عليهم نحو وطنهم: «نحن نؤمن بالديمقراطية طريقاً ومستقبلاً وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمى للسلطة، ونؤكد على حق الشعب فى صنع مستقبله، «نكتب دستوراً يفتح أمامنا طريق المستقبل»، «نكتب دستوراً يصون حرياتنا، ويحمى الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا الوطنية»، كما تضمن الدستور سبعة وأربعين حقاً وحرية وواجباً يجب احترامها وتفعيلها، ومن أهم تلك الحقوق وإن كانت جميعها التى وردت فى وثيقة الدستور متساوية فى الأهمية ما جاء فى المادة 65 «حرية الفكر مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر»، والمادة 68 «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن»، ثم المادة 73 «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحاً من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون..»، والمادة 74 «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى..»، ثم مادة 75 «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار..»، وفى المادتين 76 و77 المتعلقتين بحق المصريين فى إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى، وإنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ثم تأتى المادة 92 التى تعتبر جوهرة التاج فى دستور 2014 والتى رفضها من صاغوا دستور 2012 الإخوانى: وتنص على أن «الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها»، ثم توج الدستور تلك الحقوق بواجبين لا يقلان أهمية عن الحقوق إلى كفلها للمصريين؛ هما مادة 86 «الحفاظ على الأمن القومى واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون..»، ومادة 87 «مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب فى حالات محددة يبينها القانون.. إلى نهاية المادة»، وتحقيقاً لمقاصد الدستور، يتم استكمال الطريق نحو الديمقراطية من خلال مشاركة نشطة للمصريين فى تطوير الواقع المصرى سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وعلى جميع مستويات ومجالات العمل الوطنى.
إن المستهدف فى البناء الديمقراطى هو أن يتحول المصريون من السكون إلى الحركة الإيجابية، ومن مجرد المشاهدة والمتابعة الصامتة لمجريات الأمور فى وطنهم إلى المشاركة النشطة والإيجابية فى مناقشة المشكلات وصنع القرارات بأساليب حضارية ديمقراطية.