من بين أوراق التاريخ المصرى القديم تطل علينا بجمالها الذى اعتبره العالم بأكمله النموذج المثالى للجمال الأنثوى الأخاذ، الملكة نفرتيتى زوجة الملك أمنحتب الرابع، لتؤكد أن المرأة المصرية صاحبة المقاييس المثالية للجمال منذ العهد الفرعونى القديم، ولم تكن نفرتيتى التى يعنى اسمها (المرأة الجميلة أتت) وحدها التى تربعت على عرش الجمال فى ذلك العصر فقد عُرفت الملكة نفرتارى كبيرة الزوجات الملكيات أو بمعنى أدق الزوجة الرئيسية لأشهر ملوك القدماء المصريين رمسيس بجمالها أيضاً، ويبدو أن ملوك الفراعنة المصريين فتنهم جمال نسائهم فأطلقوا عليهن أسماء تحمل كل معانى الجمال والعشق، فنجد أن معنى اسم زوجة الملك رمسيس (جميلة جميلات الدنيا).
ومن ضمن قصص الجمال والحب الفرعونى الملكة حتشبسوت ومعبدها الشهير فى الدير البحرى بالأقصر، الذى يخلد ذكرى أقوى ملكات مصر، وقد صممه لها المهندس (سنموت) الذى بهره جمالها وقد منحته ٨٠ لقباً تقديراً لفنه الذى ظهر فى إنشاء المعبد، والطريف أن المؤرخين للتاريخ الفرعونى ألمحوا من بين السطور إلى حالة حب المهندس الفرعونى للملكة، مما دفعه لحفر نفق طويل بين مقبرته ومقبرتها طمعاً فى لقاء المحبوبة بعد العودة للحياة مرة أخرى كما كان اعتقادهم.
ولا يمكن أن ننسى فى حديثنا عن الجمال الملكة كليوباترا صاحبة الجمال الفائق وأول من ابتكرت بفكرها الأنثوى الذكى الماكر حمام الحليب الصافى لجسدها وطلاء الشفاه أيضاً.
واستكمالاً لتاريخ المصريات مع الجمال لا بد أن نتحدث عن جميلات أسرة محمد على وعلى رأسهن الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق التى وُصفت بأنها أجمل امرأة عرفها العالم، والتى كانت الزوجة الأولى لشاه إيران وشقيقاتها وكذلك بنات الملك فاروق بل يمكن القول إن أغلب سيدات الأسرة المالكة المصرية اشتهرن بالجمال.
وبعد هذه الكلمات أجد لزاماً علىَّ أن أشرح لكم سبب حديثى عن تاريخ الجمال المصرى، فقد فوجئت منذ أيام بعقد المؤتمر الدولى الأول للأكاديمية المصرية لطب وجراحات التجميل بمدينة الأقصر، حيث وضع الجراحون وخبراء التجميل المصريون والأجانب تراث المرأة الفرعونية وعالمها الخاص على طاولة البحث، والطريف أن المؤتمر استضاف من بين المشاركين ووسط أطباء الجراحة والتجميل د. زاهى حواس عالم الآثار المصرى، الذى أكد أن الفراعنة عرفوا عمليات التجميل وزرع بعض الأعضاء مثل أصابع اليد، وأضاف أن الأدوات التى يستخدمها الأطباء فى جراحات التجميل اليوم هى ذات الأدوات التى استخدمها القدماء المصريون، وقال إن المصرى القديم كان يتجمل لحياته بعد البعث، وكانت هناك مواد توضع تحت الجلد ليتمتع ببشرة نضرة بعد إعادة بعثه، كما أن هناك مومياء فى المتحف المصرى تبين من فحصها أنها خضعت لعملية تركيب إصبع، وتحدث حواس عن تعاملات المرأة الفرعونية مع مستحضرات التجميل بوعى وإدراك وبلا مبالغة دون أن تخفى ملامح وجهها أو لون بشرتها الطبيعى، بل لتضفى عليها مزيداً من الجمال، وأكد أن نفرتيتى وحتشبسوت من أشهر الملكات اللاتى أدركن سر جمالهن، وعن مستحضرات الجمال والأنوثة الفرعونية أكد المشاركون فى المؤتمر أن (الغرين)، وهو الطين الذى تحمله مياه النيل فى وقت الفيضان، كان يستخدم كقناع للبشرة لتقويتها والمحافظة على نضارتها وصفائها، كما استخدمت المرأة الفرعونية عجائن زيت الحلبة لمقاومة التجاعيد والقضاء على النمش، وزيت الخروع وزيت زهرة اللوتس للعناية بالبشرة وتنعيم بشرة الجسم، وحمام الكريم لتقوية الشعر، وأكد علماء الآثار أن النقوش والرسوم التى زينت المعابد والمقابر أثبتت أن قدماء المصريين وضعوا أدوات الزينة ومواد التجميل فى المقابر شاهدة على ما وصلوا إليه فى علم الجمال والتجميل.
وبطبيعة الحال ناقش الأطباء فى المؤتمر أحدث تقنيات عمليات التجميل التى يعتبرها البعض سبب اختفاء الجمال الطبيعى، بعد أن أصبحت ملامح أغلب النساء تتشابه فالجميع يردن ملامح نانسى عجرم أو هيفاء وهبى أو ليلى علوى، فتكون النتائج عكسية ومضحكة أحياناً، والطريف أنه حتى مسابقة ملكة الكون التى عرفها العالم منذ عام ١٩٥٥ فى المملكة المتحدة على يد (إيريك مورلى) واستمرت حتى الآن وترعاها زوجته (جوليا مورلى) التى أصبحت الرئيس المساعد لمؤسسة ملكة جمال العالم، اختلفت فيها المقاييس والشروط لتحصل الفتاة على اللقب والتاج، فلم يعد الخصر النحيل ولا الوجه الأبيض الصبوح ولا العيون الكحيلة هى وحدها التى تمنح المتسابقة جواز المرور لعالم الجمال، فقد أصبحت إجادة اللغات والثقافة الراقية وأحلام الخير الذى يغطى الكرة الأرضيّة وإطعام الفقراء وزيارة الدول المنكوبة ومساعدة المهاجرين من أهم شروط النجاح، وبعد أن بدأ عام ١٩٥٩ بث الحفل السنوى لملكة جمال الكون لـ٢٠٠ دولة حول العالم عن طريق تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية BBC وصلت نسبة المشاهدين إلى ذروتها فى التسعينات وصار يشاهدها الآن أكثر من مليارى نسمة حول العالم من جميع الدول تقريباً.
وهكذا يمكن القول إنه بعيداً عن عمليات التجميل وحقن الفيلر والكولاجين والسيليكون ونحت الجسم وشفط وإذابة الدهون وتكميم المعدة أو تغيير مسارها فإن للجمال المصرى تاريخاً، وتكفى أمثالنا الشعبية التى خلدته عندما قالوا (الله جميل يحب الجمال).