لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب
لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب
وذو جهل قد ينام على حرير وذو علم مفارشه التراب
هذه الأبيات العميقة التى تعيش فى الذاكرة تصلح لكل زمان ومكان، وتؤكد أنه عندما يفرز المناخ أجواء تسمح للجهلاء أو الفاسدين بتقدم الصورة وتصدر الصفوف الأولى فإنهم يلعبون أدواراً تقدم كل الأذى للوطن ويمارسون الشرور والجهل والقاذورات، وعندما تتكاثر النفايات البشرية المسموحة تخصم من رصيد الدولة والمجتمع، بينما تتضخم مكاسبها الشخصية، فالإنسان والوطن وجود وأخلاق ومن دونه يكون كومة من النفايات، وصفحات التاريخ ممتلئة بمراحل ووقائع كانت تكشف أن الأعراض الجانبية لمناخ الانغلاق أو الغموض أو الضباب أو الشك هى خلق لطبقات من الوسطاء والوكلاء تلغى عدة أدوار منها أنها تكون طبقة عازلة بين المستوى الأعلى والذى يليه، وهكذا تلعب دور الناقل والمتحدث باعتبارها وكيلاً عن أصحاب القرار.
ويطلق التاريخ على هؤلاء الوسطاء أهل الثقة، ولكن هؤلاء الأهل أغلبهم يهدرون هذه الثقة وينسبون لمن منحوها لهم ما لم يقولوه ويطلبون نيابة عنهم ما لا يطلبونه ويسوقون أنفسهم باعتبارهم الناقل والناصح الأمين، ويتحول هؤلاء الوسطاء إلى ما يشبه السلطة فى حد ذاتها وتنشأ لهم مراكز قوى ويصبحون طابوراً خامساً وقد يصل البعض منهم إلى أقصى حدود الفساد بشتى أشكاله.
هؤلاء الوسطاء تتشكل منهم طبقات عدة من المماليك تراها طوال الوقت وفى كل جماعة وفى كل فئة وفى كل موقع فى المجتمع، وطبيعة المماليك أنهم مأجورون يعملون لحساب من يستخدمهم ويتحولون فى ذلك من النقيض إلى النقيض بلا تردد ولا حياء ويصلون إلى مواقع ونفوذ وأموال ويرتكبون أحط أنواع الممارسات فاقدة القيم الحقيقية من شرف وخير وأمانة ونزاهة.
وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء المماليك جميعاً عديمى الكفاءة أو الموهبة لكن بعضهم يستغل كفاءته فى الاستخدام الأسوأ ويبقى باحثاً عن «السيد»، لا يهم اسمه أو منصبه، المهم أن يوجد هذا السيد، وهنا يتحول الآخر إلى نهج ومنهج، وبالتالى يصبح رأيك أو كفاءتك أو منطقك أو علمك أو ضميرك هو والعدم سواء، فهذه المؤهلات تصبح غير مطلوبة بل وتغلق الأبواب فى وجهك، فالمماليك تريد الصعود خطوات وخطوات، وبالتالى يتقدم الأسوأ لأنه جاء من هذه الدورة غير الصحيحة، وفى أفضل الأحوال قد يأتى قليلو الكفاءة، وإذا حدث غير ذلك فهو قانون الصدفة، فالكفاءة لا تجد لها مجالاً فى ظل هذا المنهج وهذا المناخ، وبالضرورة يتم التنكيل بالكفاءات عن طريق هذه الثعالب الصغيرة لأن أصحاب الكفاءة هم عقبة أمام مسار الثعالب أو قد تؤثر أصحاب الكفاءات السلامة ويعتزلون هذه الفتنة ويتجنبون الوجود فى هذه الأدوار أو مواقع السلطة أو أداء خدمات معينة.
هذه السيناريوهات حدثت بجهود كثيرة، إنها نماذج تكرارية تفرز ضعاف الإرادة من البشر، فالبحيرة عندما تكون آسنة لا يظهر على سطحها إلا الطحالب والأعشاب السامة.