إذا كان القانون يعاقب من يخالف «إشارة مرور» بغرامة مالية حتى لو كانت متواضعة، فإنه -أى القانون- يقف عاجزاً مكتوف الأيدى أمام من يزرع «لغماً أو قنبلة موقوتة» تنفجر فى وجه المجتمع..! نعم فإن أسفل كبارى عواصم المحافظات الكُبرى وتحديداً «القاهرة والإسكندرية»، وفى الحدائق العامة إن وجدت، وفى مداخل العمارات تحت الإنشاء، ومخازن المتاحف التى اصطلح على تسميتها «محطات قطارات السكة الحديد» قنابل بشرية موقوتة.. إذ فرضت ما كانت تسمى أسرهم -على أكثر من 3 ملايين طفل- الإقامة الجبرية فى هذه الأماكن ليتحولوا بعد فترة إلى جناة و«قنابل موقوتة» تهدد كل إنجاز بعد أن كان معظمهم ضحايا لعنف الأسرة ولجأوا إلى «شم البنزين أو الكُلة» والشذوذ والضياع والانسحاق أو النشل والسرقة بالإكراه ليمثلوا فى النهاية بؤرة تهديد لمجتمع أصبح فى غير حاجة لمزيد من أسباب تهديده!! القضية تبدأ عندما تتحول بعض المنازل إلى غرف تعذيب للأطفال تنافس معتقل «جوانتانامو» مما قد يفتح باباً ملكياً أمام الأبناء للهروب بحياتهم من هذا الجحيم الذى يعيشون فيه لتتلقفهم أيادى الإجرام.. ولا يزال حادث ذلك الأب -إن كان يصح أن يكتسب لقب أب- عالقاً بالأذهان بعد أن تجرد من كافة المشاعر الإنسانية والرحمة وانفرد بـ«ابنه الرضيع»، الذى لم يتجاوز عمره 3 أشهر، ليوسعه لكماً وضرباً كما لو كان يخوض معركة مع أعتى المجرمين ويُعلقه فى النهاية فى «مروحة السقف» لتنتهى حياة ذلك البرىء الذى إن كانت كتبت له النجاة من أيدى والده وتجاوز سنوات الطفولة المبكرة لكان الهروب إلى الشارع هو الملاذ الوحيد أمامه ليسعى بعد ذلك إلى الثأر من المجتمع..! العنوان الذى يعلو هذه الأسطر «اكسر لابنك ضلعاً.. واصنع لغماً» يلخص تلك «الدراما المأساوية» نتيجة ما قد يناله المجتمع بسبب منهج «التعذيب» الذى لا يزال ينتهجه بعض الآباء تجاه أبنائهم، ولعلنا جميعاً نتذكر «التوربينى» ذلك المجرم الذى كان يغتصب أطفال الشوارع ويلقى بهم من أسطح القطارات لترتشق شظايا مأساة ضحاياه فى صدور العديد من الجهات.. رجال أعمال اكتفوا بما يحققونه من أرباح دون أن يلتفتوا إلى حقيقة دورهم الاجتماعى فى مواجهة قضايا المجتمع.. جمعيات ومؤسسات عدة ارتاحت لـ«موضة» تسميتها بـ«مؤسسات المجتمع المدنى» واكتفت بصورة تنشر فى صفحات الاجتماعيات بالصحف لندوة أو اجتماع يضم سيدات أعمال وصفوة المجتمع فى قاعات فنادق «الخمسة نجوم».. وزيرة لـ«التضامن الاجتماعى» يبدو أنها قد شطبت من دفاترها هؤلاء الملايين من البؤساء.. ويبدو أن «جهاز التعبئة والإحصاء» الذى يُجرى حالياً حصراً للتعداد السكانى قد أسقط أيضاً هؤلاء الأطفال من اهتمامه.. كيانات حزبية غرقت فى مشاكل «وراثة الزعماء» واقتسام المناصب القيادية.. بينما انشغل الأمن بأمور عدة وقصر دوره معهم على إيداعهم «تخشيبة» أى قسم للشرطة!!.. جهاز قومى للشباب حصر اهتماماته على شريحة واحدة فقط، فشريحة الشباب لا تقتصر فقط على «شباب الأندية والكرة» أو المنتظمين فى الجامعات والمعاهد العليا.. وقطاع الطلائع ليسوا هم فقط أطفال المدارس، فكل هؤلاء لديهم الحد الأدنى «أربعة جدران حتى وإن كانت آيلة للسقوط» فى مبان أطلق عليها تجاوزاً «مدارس».. أو قاعات مكتظة بالآلاف من الطلاب سُميت «مدرجات جامعية».. وأسرة وإن كان مفردات قاموس الحياة اليومية لأفرادها لا يعرف سوى كلمة «المعاناة»!! أطفال الشوارع ظاهرة تستوجب علينا جميعاً البحث عن أسلوب جديد للتعامل معهم بعيداً عن تخشيبة الأحداث فى أقسام الشرطة أو أى «إصلاحية» تكاد تقترب من أن تكون مدرسة لتعليم فنون الإجرام، حتى بعد أن أبدلت اسمها إلى «دار للتربية».. وذلك حتى لا نفاجأ ذات يوم بأن أطفالنا قد انقسموا إلى فريقين الأول: تقمص دور «التوربينى»، والثانى يقف فى انتظار دوره فى استنساخ صورة منه «طبقاً للأصل».. وربما تكون الظروف قد حققت لهم ذلك إلا أنهم لم يصلوا إلى قمة نشاطه الإجرامى ولذا فلا نعرفهم!
أعتقد أن تعديلاً تشريعياً لمعاقبة كل أب أو أم يلقى بابنه فى الشارع كفيل تماماً بانحسار هذه الظاهرة، وإن كان الأهم من ذلك هو «الحزم» فى تطبيق هذا القانون، لتعود الشوارع مرة أخرى آمنة خالية من أى ألغام أو قنابل موقوتة..!