فى المسلسل التليفزيونى «ظرف أسود»، يلعب الفنان الكوميدى صلاح عبدالله دور «سليم دربالة» أستاذ القانون الجنائى بإحدى كليات الحقوق، وفى أحد مشاهد الحلقة الأولى من المسلسل، وأثناء إحدى المحاضرات، يقول سليم دربالة، متحدثاً إلى طلابه، مستخدماً اللغة العامية المصرية: «القانون الجنائى مش مادة حفظ، جو تمقيق العينين والصَمْ ده ينفع فى أى مادة تانية، إنما فى الجنائى لا.. اللى ربنا هيكرمه فيكم ويترافع لازم يكون صايع يحاول يشكك القاضى فى كل الأدلة اللى بتقدمها النيابة، مش كده وبس، ويطلعهم كدابين، ولو انت محامى عقر بصحيح، ترفع قضية تعويض وتكسبها كمان». وأثناء حديثه، يقاطعه أحد الطلاب ويدعى «شحاتة» متسائلاً: «كنت عايز أعرف لو برضه المتهم مذنب، أدافع عنه؟!»، فيرد الأستاذ: «أيوه تدافع عنه». فيقول الطالب: «بس أنا كده أكون مخالف ضميرى». وهنا يقول الأستاذ: «خلاص يا شحاتة ما تخالفش ضميرك واعمل اللى انت عايزه، بس نصيحة منى يا شحاتة أفندى، لو انت هتشتغل جنائى بالطريقة دى، مش هتهوب ناحية باب المحكمة أبداً، ومش هيجيلك زبون واحد، وهتبقى اسم على مسمى.. هتشحت يا شحاتة. شوف يا بنى، وباختصار كده، والكلام ده ليكم كلكم، حطوا تحت الجملة دى مليون خط.. الجنائى كافر».
والواقع أن هذه العبارات تعكس بعض الآراء السلبية عن دراسة القانون ومهنة المحاماة بوجه عام، وعن القانون الجنائى على وجه الخصوص. فكثيراً ما يردد بعض رجال الدين عبارة «القانون الوضعى» وكأن الأمر يتعلق بتشريعات منبتة الصلة عن التشريع الإلهى. ونسمع أحياناً من بعض رجال الدين عبارة «القانون الفرنسى» للدلالة على المنظومة القانونية والتشريعية المصرية، والمعنى الذى يريده هؤلاء واضح، وهو أن هذه القوانين مستمدة من القانون الفرنسى، وتبتعد بالتالى -من وجهة نظرهم- عن شرع الله عز وجل. وبالبحث فى الشبكة العنكبوتية، يمكن أن تجد العديد من خريجى كليات القانون الذين يتساءلون عن حكم العمل بمهنة المحاماة، وما إذا كان جائزاً شرعاً من عدمه، بل إن البعض يتساءل عما إذا كانت القراءة فى الكتب القانونية وإنفاق الأموال عليها فيه تضييع لوقت ومال فيما لا يرضى الله، وما إذا كانت هذه القراءة بمجردها تكون حراماً؟!
وحسناً فعل بعض رجال الدين فى ردهم على هذه الأسئلة بأن «مهنة المحاماة ليست محرمة لذاتها، لأنه ليس فيها حكم بغير ما أنزل الله، بل هى وكالة وإنابة فى الخصومة، وهى من الوكالات الجائزة، لكن ينبغى للمحامى التحرى والتثبت من القضية قبل الخصومة عنها».
ومع ذلك، نعتقد أن هذه الآراء المغلوطة عن القانون ترجع جزئياً إلى الخطاب القانونى ذاته، الذى قد يوحى بانفصال القاعدة القانونية عن القاعدة الدينية والأخلاقية، إذ يصف البعض العلاقة بين قانون العقوبات والدين، محدداً إياها فى دوائر ثلاث؛ الدائرة الأولى، تشمل الأفعال المحرمة ديناً المجرمة قانوناً، كالقتل والسرقة وخيانة الأمانة. أما الدائرة الثانية، فتتضمن السلوكيات المجرمة قانوناً، غير المحرمة ديناً، كما هو الشأن فى الجرائم التنظيمية أو القانونية الصرف. وتنصرف الدائرة الثالثة إلى الأفعال المحرمة ديناً غير المجرمة قانوناً، كما هو الشأن فى الكذب المجرد والشروع فى الانتحار.
ونعتقد من الضرورى إعادة صياغة العلاقة بين القانون من جهة، وبين الدين والأخلاق من جهة أخرى، على النحو الذى يزيل الظن بوجود تعارض أو تنافر بينها، فعلى حد قول أستاذنا المغفور له الدكتور صوفى أبوطالب «يجب ألا يغيب عن بالنا أن انفصال الجزاء القانونى عن الجزاء الدينى أو الأخلاقى لا يعنى بالضرورة ابتعاد القانون عن الدين أو الأخلاق ومخالفته لأحكامهما، ذلك أن القانون مرآة لحضارة المجتمع وما تقوم عليه من قيم دينية وأخلاقية، ومن ثم يرتكز على الأسس الدينية والأخلاقية السائدة فى المجتمع. غاية الأمر أن القانون تخير بعض هذه القيم ووضع لها جزاء وترك ما عداها اكتفاءً بالجزاء الدينى أو الأخلاقى».
وختاماً، المأمول هو أن تقوم الأعمال الدرامية والسينمائية بدورها فى رفع مستوى الوعى لدى المشاهدين وتزويدهم بالأفكار والمعلومات القانونية الصحيحة، وألا نرى مثل هذه المشاهد التى تساعد على التطرف وتخلق بيئة داعمة للإرهاب!