بعد إرهاب ١١ سبتمبر ٢٠٠١ دفع جورج بوش، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الممتدة من عام ٢٠٠٠ إلى عام ٢٠٠٨، العالم إلى حروب كارثية فى أفغانستان والعراق وحرب غير إقليمية ضد الإرهاب لم ترتب إلى اليوم لا القضاء عليه ولا تجفيف منابعه. صنعت حروب جورج بوش عالما به المزيد من أعمال العنف والدمار وقتل المدنيين وقسمته بمعادلة صفرية بالغة السطحية إلى فريقين لا رابطة بينهما إلا النفى والإلغاء والإقصاء، إما مع الحروب الأمريكية ومن ثم ضد الإرهاب أو ضد الحروب المدمرة هذه ومن ثم مع الإرهاب.
معادلة «إما معنا أو ضدنا» البوشية، والتى لم يتعافَ منها العالم إلى يومنا هذا، تستنسخ الآن وبذات السطحية البالغة فى السياسة المصرية من قبل بعض تيارات ورموز اليمين الدينى وكذلك بعض تيارات ورموز الليبراليين واليسار.
هناك فى مساحة اليمين الدينى متشددون ومتطرفون وفاشيون يروجون للعنف ويقسمون السياسة إلى فسطاطين، فسطاط الأخيار أى فسطاطهم وفسطاط الأشرار أى فسطاطنا نحن مجموعة الليبراليين وقوى اليسار والمواطنين «المغرر بهم من قبل إعلام مغرض» ونحن جميعا من معارضى رئيس الجمهورية والمنادين بانتخابات مبكرة.
هؤلاء المتشددون والمتطرفون فى مساحة اليمين الدينى لا يرون فى «فسطاط الأشرار» إلا ما يستدعى الإلغاء والإقصاء عنفا وقمعا وترهيبا، وينفون بالكامل إمكانية العيش المشترك وتوافق الحد الأدنى لمصلحة الوطن، ويناقضون من ثم فى تصريحاتهم وأفعالهم مبادئ الديمقراطية والسلم المجتمعى (تصريحات منظمى حملة تجرد وغيرهم من أعضاء جبهات وتيارات اليمين الدينى).
هنا فى مساحة التيارات الليبرالية واليسارية، ويا لبؤسى، معاناة قاتلة من فئات أربع: أولا من حملة أختام ثورية زائفة يروج لها عبر بعض الأحزاب وبعض وسائل الإعلام، ثانيا من دعاة تشدد إما لا يفكرون فى الغاية السياسية أو المجتمعية النهائية لتشددهم أو يوظفون التشدد علنا لتجاوز مثالب فعلهم السياسى خلف الأبواب الموصدة، ثالثا من هواة ممارسة السياسة بالرفض والشجب والإدانة وتوجيه النقد للآخرين دون صياغة رؤى إيجابية..
رابعا من مجموعة المترددين غير القادرين على التبنى العلنى للعقلانى والرشيد من المواقف إزاء صخب المزايدة مدعية الثورية.
هذه الفئات الأربع تنظر للسياسة المصرية استنادا إلى المعادلة البوشية الفاشية، إما معنا أو ضدنا، إما نحن أو هم، مصر إما لنا أو لهم، وهنا تتحول الانتخابات الرئاسية المبكرة التى كنت من أوائل دعاتها من إجراء ديمقراطى إلى آلية نفى وإقصاء مجتمعى وسياسى. أما المشار إليه بـ«هم» فينقسمون من جهة إلى جميع تيارات اليمين الدينى التى يتعين نفيها وإخراجها من المجتمع، وكأن الأخير ملكية خاصة لليبراليين واليسار، ومن جهة أخرى إلى جموع مؤيديهم من مواطنات ومواطنين غرر بهم إن بسكر وزيت أو بالدعاية الدينية وهؤلاء ينبغى إخضاعهم لإرادة «المستنيرين» و«الواعين» عبر الإقصاء بعيدا عن صندوق الانتخابات وعبر عمليات توعية وإعادة تأهيل تديرها الطبقة الوسطى والفئات الميسورة المستنيرة. هنا أيضاً فسطاطان، فسطاط الأخيار مدعى الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستنارة من ممارسى الإلغاء والإقصاء والاستعلاء تجاه اليمين الدينى ومؤيديه، وفسطاط اليمين الدينى هذا والمغرر بهم من «الفقراء» و«الأميين» وغيرهم من الفئات المظلومة مجتمعيا والتى يظلمها مدعو الثورية والاستنارة من الليبراليين واليسار مرتين، مرة بقبول الظلم المجتمعى ومرة بترتيب الإقصاء السياسى تأسيسا عليه.
حصيلة استنساخ بوش ومعادلته الصفرية فى السياسة المصرية هى بيئة الاستقطاب والتصعيد والتصيد والقابلية للعنف التى نعيش بها الآن. حصيلة استنساخ بوش هى إخراج الدعوة إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة من سياقها الديمقراطى وإعادة صياغتها عبر «قفز» اليمين الدينى وكذلك التيارات الليبرالية واليسارية عليها باتجاه آلية نفى وإلغاء وإقصاء مجتمعى خطيرة.
حصيلة استنساخ بوش هى تحول ممارسى السياسة وبعض الشخصيات العامة إلى جنرالات حرب يرفعون يافطات «إما معنا أو ضدنا» ويضعون خططا للقمع وللترهيب ويعدون العدة لتقويض السلم المجتمعى بالكامل ودفع مصر إلى الاحتراب الأهلى.
إلى شباب حملة تمرد السلمية، والتى أتعاطف معها وأؤيد مطلبها بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. أنقذوا حملتكم ومطلبكم العادل والديمقراطى من دعاة المعادلة البوشية ومستنسخى يافطة «إما معنا أو ضدنا» الفاشية من البعيدين عنكم والقريبين منكم.