منذ نحو الأسبوعين، خرج علينا وزير الصحة المصرى بإعلان قال فيه إنه اكتشف مصنع «لاكتو مصر» لإنتاج ألبان الأطفال بسعة 35 مليون عبوة يصدرها جميعها لهولندا، التى ترسل خبراء للتأكد من جودة الإنتاج، وأنه يعد المصريين بعدم الاستيراد مجدداً! ما هى إلا ساعات حتى خرج اتحاد الصناعات الغذائية علينا ببيان آخر نفى فيه حديث وزير الصحة، مؤكداً أن المصنع خاطب الوزير عن طريق رئيس الوزراء ووزير الصناعة والتجارة فى أغسطس 2016 -أى قبل أزمة الألبان فى سبتمبر- عارضاً عليه المساهمة فى توفير الاحتياج المحلى، ولكن الوزير تجاهل العرض حسب بيان الاتحاد! ورداً على بيان الاتحاد أصدر الوزير بياناً قال فيه إن المصنع كان يورد لوزارة الصحة حتى عام 2005، ثم ثبت عدم صلاحية المنتج، فأغلقت الوزارة خط إنتاج الألبان إلا أن المصنع أقام دعوى كسبها وأعاد التشغيل فى 2007 ولكنه قرر التصدير للخارج؟!
ومع ما سبق من بيانات متضاربة، كان مقالى بجريدة الأهرام المسائى يوم الأحد 2 أبريل الماضى بعنوان: «الونش المسروق والمصنع المُكتشف». قارنت فيه بين واقعة سرقة الونش من ميدان التحرير فى مطلع الثمانينات وعدم العثور عليه حتى اليوم وبين كارثة تصريحات الوزير وقصة مصنعه الذى عثر عليه فجأة. متناسياً أنه لا يجوز له قول ذلك، لأن المصنع ليس فيلاً ينصرّ فى منديل، ولكنه كيان به عمال لهم تأمينات ورواتب، وكيان له سجل تجارى وضريبى، وكيان ينتج مادة غذائية للأطفال لا بد لها من تصريح صحى لتصديرها، إن ثبت التصدير لبلد كهولندا بين كل متر ومتر فيها بقرة، كما تحدثت عن عبثية أن يبلغ اتحاد الصناعات الوزير بأمر الإنتاج عن طريق وزير الصناعة ورئيس الوزراء، فيتجاهله واستورد ألبان أطفال من الخارج بمبلغ 250 مليون دولار-حسب تصريحات الوزير- بينما كانت مصر فى عرض سنت واحد؟! وختمت مقالى بأن هذا هو عين الفساد ووجب التحقيق فى القضية برمتها، وإلا فلا خلاص من الفساد.
توالت المفاجآت يا سادة بعد نشر المقال، حين توافرت لى مصادر المعلومات الموثقة بالأدلة التى أحتفظ بها لتشير لما أبعد من بيانات الوزير غير الصحيحة. وإليكم حكاية المصنع والوزير. بدأ المصنع إنتاجه منذ بداية الألفية الثالثة، ولكن فى عام 2005 قررت لجنة من وزارة الصحة صلاحية الإنتاج، ثم فجأة قررت نفس ذات اللجنة بعد عدة أيام فساد المنتج، فكان قرار الإغلاق لخط إنتاج لبن الأطفال الذى تراوح بين 5 - 6 ملايين عبوة، وليس 35 مليوناً -كما ذكر الوزير- كانت يباع بعضها محلياً ويصدر بعضها الآخر لبعض الدول الأفريقية -وليس هولندا-؟! ومع إغلاق خط إنتاج الألبان أقام صاحب المصنع، وهو مصرى يحمل الجنسية النمساوية دعوى قضائية كسبها عام 2007، ليعاد تشغيل المصنع، الذى قرر عدم العمل فى لبن الأطفال وعمل من يومها فى إنتاج لبن القهوة والكريم شانتيه وتصديره لأفريقيا؟! وتتوالى المفاجآت لنعلم أن اجتماعات لجنة تم تشكيلها من قبل الرئاسة المصرية بدأت منذ مارس 2016 بعضوية وزير الإنتاج الحربى ووزير الصحة وعدد من المتخصصين لدراسة سبل مواجهة الاحتياج المحلى من لبن الأطفال. وشارك فيها أكثر من مصنع مصرى وأجنبى لعرض أطروحاتهم، وكان من بينهم مصنع لاكتو مصر، الذى عرض إمكانية إعادة تشغيل خط الإنتاج وفقاً لمواصفات جودة ومراقبة إنتاج يتم الاتفاق عليها فى اللجنة التى رأت -بمن فيهم وزير الصحة- على أن إنشاء مصنع جديد من الصفر يكون ملكاً للدولة، أمر مكلف للغاية وسيستغرق إنتاجه ثلاث سنوات، ولذا يمكن الاعتماد على أحد تلك المصانع.
ليكن السؤال: لماذا خرج علينا وزير الصحة بتلك التصريحات التى ثبت أنه لا معنى لها من الحقيقة؟ سؤال أطرحه على الجهات الرقابية فى بلادى التى أتمنى أن تحقق فى القضية، ليعلم الوزير أن الكذب جريمة مخلة بالشرف.