ومصدر الإفساد، أولا، هو الابتعاد عن الجوهر الديمقراطى والسلمى للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة بسبب انهيار الشرعية الأخلاقية للرئيس واستمرار غياب شرعية الإنجاز والانزلاق إلى مطالب فاشية بالإقصاء المجتمعى والسياسى للإخوان ومؤيديهم وبقية تيارات اليمين الدينى والترويج لقمعهم و«إعادتهم» إلى السجون، وكأن الوطن ليس وطنهم هم أيضا وكأن سبيل الانتصار للديمقراطية هو نزع المواطنة عن الإخوان والسلفيين وغيرهم وليس حملهم على احترام حقوق وحريات الآخرين.
ومصدر الإفساد، ثانيا، هو تورط بعض السياسيين والشخصيات العامة من مدّعى الثورية أو محدثيها فى إنتاج مقولات «إما نحن أو هم» الفاشية والترويج لها عبر استغلال المطالبة الشعبية بانتخابات رئاسية مبكرة وبالقفز على حملة تمرد السلمية. هذه المجموعة من السياسيين والشخصيات العامة هى ذاتها التى لم ترد للجيش خروجا من السياسة ولم تكف عن تجديد التوسل للعسكر لكى يعودوا إلى الحكم منذ ١ يوليو ٢٠١٢. هذه المجموعة، التى تتحمل بجانب انفرادية الإخوان وضيق أفقهم مسئولية تعثر مسارات التحول الديمقراطى خلال العامين الماضيين، تعود اليوم لتنتج ذات البحث عن الجيش كملاذ أخير فى بيانات للأحزاب وللجبهات ولتطل بذات الوجوه عبر شاشات الفضائيات داعية الجيش لحماية البلاد من الفوضى فى ٣٠ يونيو.
ومصدر الإفساد، ثالثا، هو عسكرة ٣٠ يونيو فى المخيلة الجماعية للمصريات وللمصريين، وذلك عبر الحديث المتواتر لبعض السياسيين والإعلاميين المؤيدين للتظاهرات عن «مواجهات محتملة مع ميليشيات الإخوان»، وعن «استعداد الشباب لصد جميع الهجمات»، وعن المشاركة فى التظاهرات «فإما يرتفع الصوت وإما ينزل الموت»، وغيرها من الصياغات التى تستدعى احتمالية العنف وتصنع بطولات استشهاد زائف. وبالقطع يتورط فى العسكرة أيضا المتشددون والمتطرفون ومتقمصو أدوار جنرالات الحرب فى مساحة اليمين الدينى وكتاب بيانات التهديد والوعيد لمتظاهرى ٣٠ يونيو.
ومصدر الإفساد، رابعا، هو طرح بعض الأحزاب والجبهات المؤيدة لـ٣٠ يونيو لتصورات لـ«اليوم التالى» تتناقض بوضوح مع الجوهر الديمقراطى للانتخابات الرئاسية المبكرة. إعادة تدوير مطلب المجلس الرئاسى المدنى، والدعوة إلى تعطيل الدستور والقوانين، وبكل تأكيد حث الجيش على التدخل «للحماية وليس للحكم» تعد جميعا خروجا على الديمقراطية. وفى التحليل الأخير، تمثل هذه المطالب انقلابا على الحياة السياسية الطبيعية التى نسعى للانتصار لها عبر صندوق الانتخابات، ومقدمات فشل حتمى تماما كما فشلت ذات المطالب من قبل.
ومصدر الإفساد، خامسا، هو غياب رؤية واضحة لإدارة مرحلة «ما بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة» على أمل نجاح الضغط الشعبى فى فرضها.
الأجدر بأحزاب وجبهات المعارضة، عوضا عن إنتاج مقولات فاشية والانقلاب على الجوهر الديمقراطى وعسكرة ٣٠ يونيو فى المخيلة الجماعية، هو صياغة رؤية محددة بإجراءات مجتمعية واقتصادية وسياسية لمباشرة إنقاذ مصر بعد الانتخابات المبكرة. ودون صياغة هذه الرؤية وإعلانها على الرأى العام نعرض بلادنا لمخاطر عظيمة ونباعد بين الكثير من المواطنات والمواطنين والمشاركة السلمية فى ٣٠ يونيو.