هل ستنهى حالة الطوارئ الإرهاب؟ هل ستقضى عليه الإجراءات الأخيرة كلها؟ الرئيس السيسى أول من يدرك أننا نحتاج إجراءات متعددة ومركبة، ولكن أيضاً يؤمن الرئيس بالعمل المؤسسى وبمنح كل مسئول الفرصة الكاملة ليدير وينجز ويقدم ما عنده.. وهذه طريقة فى الإدارة معترف بها وتدرس علمياً ويسمونها «الإدارة بالأهداف» وبما يعنى أن الدولة يعنيها من المسئول، أى مسئول، ما سيحققه من الأهداف المطلوبة وليس تفاصيل الوصول إليها.. وبالتالى فليس مهماً أن يقيل هذا المسئول موظفاً ما أو يعين غيره.. يستبعد أحدهم أو يستعين بآخر..
كل ما سبق صحيح وحقيقى وعلم من بين مختلف علوم الإدارة.. إنما تبقى القاعدة الأساسية للحياة كلها وليس فى الإدارة أو فى السياسة أو فى القانون، وهى أن «الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية». هذه هى القاعدة الكلية العامة التى تحكم حتى شرع الله فى دينه الحنيف، وهى التى صاغها الفقهاء بقولهم: «الضرورات تبيح المحظورات»، وفى قولهم: «ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب»، وفى قولهم: «درء المفاسد مقدم عن جلب المنافع»!
الآن.. لا الرئيس ولا الحكومة ولا الوزراء ولا الشعب كله ينكر مرور مصر بظروف استثنائية، وبالتالى فلا بد من مواجهتها بإدارة استثنائية.. وهنا لا نعنى فرض الطوارئ على الإطلاق.. لأننا نتحدث عن إدارة المشهد كله، وليس المواجهة الأمنية أو القانونية!
الآن أيضاً.. ما المطلوب من الرئيس السيسى؟ وإن كنا نؤيد الرجل وندعمه، فكيف وبماذا يمكننا أن ننصح سيادته؟ نقول: سيكون من المستحيل الاستمرار فى انتظار تجديد الخطاب الدينى، لأنه بهذه الطريقة لن يأتى أبداً.. وسيكون من الصعب انتظار تفاعل خطبة الجمعة مع فكر الرئيس الذى يريدها أن تنطلق وتستهدف البيئة التى تقال على منابرها.. ففى الصعيد يكون من أولوياتها المرأة والثأر وفى الأقصر وأسوان والغردقة تكون خطبة الجمعة عن عهد أمان الغرباء وأمانهم، وفى بورسعيد والإسكندرية مثلاً عن التجارة والعقود والعهود وهكذا.. فإن انتظرنا أن يحدث فى خطبة الجمعة ذلك بمجرد التوجيه، فلن يتم أو على الأقل لن يتم بالصورة المرجوة!
ولذلك ننصح سيادته أن يستدعى كل المرتبطين بملف الأزمة والمواجهة كلاً على حدة.. أن يجتمع سيادته بفضيلة شيخ الأزهر ويكون لدى سيادته مطالب محددة فى تجديد الخطاب الدينى سواء فى مناهج التعليم أو فى الأسماء الموجودة فى هيئة كبار العلماء أو فى غيرها.. ومطلوب إنجاز التعديل أو التغيير المطلوب فى جدول زمنى.. يبدأ بعد ساعات أو حتى أيام من انتهاء اللقاء!
وأن يستدعى سيادته وزير الداخلية لمناقشة.. خطة تحديث معلومات الوزارة والمطلوب من أدوات تقنية حديثة لكشف المواد الخطرة المتفجرة على مسافات بعيدة أو لحماية خبراء المفرقعات أو حتى لتحديث أداء رجال المرور لتكامل أداء الوزارة مع التوصية بالاهتمام بالجريمة الجنائية وانضباط الشارع والاهتمام بالبلاغات والمحاضر وسرعة استجابة النجدة للبلاغات وبحث سبل توفير المطلوب إن لم يكن فى الاجتماع نفسه، ففى اجتماع لاحق، على أن يتم تحديد موعد بعينه لإطلاق التحديث المطلوب!
لا بد أن يستدعى سيادته كذلك وزير الثقافة لمناقشة دور الهيئة العامة لقصور الثقافة فى المدن والقرى، وماذا تقدم قصور وبيوت الثقافة للناس وخطتها للارتقاء بوعيهم وثقافتهم واستيعاب طاقاتهم، وماذا عن أنشطة أدباء الأقاليم وجدول المؤتمرات ومشاركة مصر فى مهرجانات الأدب والشعر فى العالم، وعن المواهب الجديدة وعن دور شركة الإنتاج السينمائى الجديدة المقرر تأسيسها لتنتج سينما راقية وعناوين سلاسل الهيئة العامة للكتاب، وأن يقول الرئيس بنفسه رأيه فيها جميعاً، ومدى انسجامه فى رؤية سيادته لمحاربة الإرهاب ووضع جدول زمنى لتنفيذ ملاحظات الرئيس!
ولا بد أيضاً أن يتم استدعاء وزير الشباب وخطة الوزارة لاستيعاب الشباب، وهل الأمر مقصور على القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية أم مصر كلها خصوصاً القرى وغيرها من الموضوعات كرؤية الوزير مثلاً فى إشراف وزارته على دورات رمضانية فى كل مصر بدلاً من أن تشرف عليها جماعات متطرفة أو سلفية، وسر رفع قيمة اشتراك مركز شباب الجزيرة، رغم أنه أُسس خصيصاً فى الستينات للأسر الفقيرة والمتوسطة، والأفضل تخفيض قيمة الاشتراك لتوسيع العضوية من رفع القيمة وتخفيض العضوية، وماذا عن خطة الصيف المقبل ومسابقاته وضيوف مؤتمراته ومعسكراته!
أن يستدعى الرئيس وزير التعليم، وإلى أى نقطة وصلت عملية تطوير المناهج وما بها من مواد عن الأخلاق وعن تاريخ البلاد وبطولات أبنائه وعن المواد الدينية ومدى الاهتمام بقيمتى العمل والعلم وكيفية عودة طباعة الإرشادات القيمة التى كانت موجودة على ظهر الكراسات والكشاكيل لتلازم الأطفال والتلاميذ منذ الصغر وتؤثر فيهم، وعن دورى المدارس وخطة عودة الرياضة للمدارس، حتى لو باستئجار ملاعب وزارة الشباب، وكذا عودة الموسيقى والخطابة والخط العربى والمسرح المدرسى وحصص الأشغال والتدبير وخطة الاحتفال بالأعياد المنسية، كالجلاء والنصر وغيرهما!
أن يتم استدعاء مسئولة اتحاد الإذاعة والتليفزيون أو المجلس الوطنى للإعلام ومناقشة ما يريده الرئيس من التليفزيون ومن الإذاعة ومن الإذاعات الإقليمية، ومن الإذاعات الموجهة للخارج باللغات الأجنبية لأغلب دول أو لغات العالم، وكيف يمكن لكل ذلك التأثير فى سلوك الناس وتحويل السلبى إلى إيجابى واستنهاض قيم العمل والخير والجمال وكيفية الاشتباك مع الناس من جديد والتأثير فيهم!
أن يستدعى الرئيس مسئولى النقابات المعنية، خصوصاً الممثلين وكيف يمكن تجنب الشاشة الابتذال والخروج عن قيم وتقاليد المصريين.. وكيف يمكن أن تلتزم الصحف بخطاب واع لا يرسخ الطائفية من عينة الأخبار التى تقول: «مصرع سائق توك توك قبطى»، وبما لا دخل للديانة به أو من عينة «الناشط النوبى» أو «الأديب السيناوى» وبما يرسخ التفكيك على أسس دينية أو قبلية أو جهوية وهكذا!
كثيرة هى المهام.. وكثيرة هى التكليفات.. والمدهش أن أغلبها طبيعى لا يحتاج لتدخل الرئيس.. أو على الأكثر هى من مهام رئيس الوزراء، ولكن تلك الدولة الهشة المفككة التى ورث الرئيس مسئوليتها بعد إهمال أربعين عاماً تتطلب أن يقوم الرئيس بنفسه بالمهمة.. على الرئيس السيسى الذى أنقذ مصر ذات يوم، أن ينقذها اليوم.. على الرئيس السيسى الذى ساند ثورة شعب مصر وانحاز له ولها أن يقود بنفسه ثورة جديدة لمصلحة مصر وشعبها.. خلاف ذلك فسوف نظل للأسى وللأسف فى انتظار أحداث جديدة نصرخ فيها ونبكى.. نناقش الخروج من الأزمة.. لتمر الأيام ولا يحدث شىء، ليحدث حادث غيره وكما طالب الرئيس من قبل، فمن لا يستطيع إنجاز ما يطلب منه أو متطلبات المرحلة، فليترك موقعه ويرحل فوراً.
فليفعلها الرئيس بنفسه، وليطلق معسكر اجتماعات طوارئ من مكتب سيادته، فالأحداث الاستثنائية تتطلب، وكما قلنا، إجراءات استثنائية!