بوركينا فاسو دولة محبوسة بين 6 دول أفريقية وليست لديها حدود على البحار أو المحيطات أو الأنهار ولكن لها تجربة فريدة فى الزراعة والاكتفاء الذاتى من الغذاء، وبدأت تجربتها بتهيئة المواطنين للمشروع القومى الجديد (الزراعة). البرلمان أصدر القوانين المطلوبة، ثم قام التعليم والإعلام والثقافة والفن ومنظمات المجتمع المدنى كل منهم بدوره فى تعبئة المجتمع بأهمية الزراعة، وبالتالى أصبحت بوركينا فاسو كلها تتحدث عن الزراعة مشروعها القومى حتى حققت الاكتفاء الذاتى من الغذاء، وصادراتها الزراعية تغزو الأسواق العالمية.
نحن فى حاجة لعمل تجربة مصرية فريدة، ونحن قادرون على ذلك، وأهم تجربة تحتاجها مصر حالياً هى الاستثمار، فلماذا لا تكون لدينا تجربة استثمارية نموذجية يتحدث عنها العالم ويستفيد منها؟ ولدينا كل مقوماتها، ويجب تهيئة الشعب لهذا المشروع القومى، والبداية بتغيير نظرة المجتمع والإعلام والبرلمان للاستثمار، فكثير من المواطنين ما زالوا ينظرون إلى المستثمرين على أنهم لصوص، وهذا ليس مستغرباً لأن بعض مؤسسات الدولة للأسف الشديد تتعامل مع المستثمر بهذه النظرة وتعتبره سيئ النية وعليه إثبات العكس، فالإعلام يتعامل بحساسية شديدة مع رجال الأعمال ويعتبر مجرد استضافتهم شبهة وذكر أسماء الشركات الخاصة جريمة، بل وصل تفكير قيادات ماسبيرو إلى اعتبار استضافة أصحاب المهن الحرة إعلاناً وليس إعلاماً. وحال البرلمان لا يختلف كثيراً، وهذه كارثة أخرى، فبعض نوابه يحاربون المستثمرين ويعتبرونهم «مافيا أراضى»، فإذا كان المواطن معذوراً فى نظرته للمستثمرين فما هو عذر قيادات الإعلام ونواب البرلمان؟ أيضاً الدراما ترتكب جريمة فى حق البلد بتصويرها رجال الأعمال على أنهم فاسدون وتجار مخدرات وسلاح وينفقون أموالهم على الشهوات. صحيح هناك بعض رجال الأعمال السيئين ولكن هناك آلاف الجادين المحترمين الذين أقاموا مشروعات إنتاجية عملاقة وفّرت ملايين فرص العمل ولكن الإعلام لم ولن يعرف طريقهم لأنهم لن يحققوا له الإثارة المطلوبة لجذب الإعلانات والمشاهدين.
كما يجب على المؤسسات الدينية (الأزهر والأوقاف والكنيسة) المشاركة فى دعم الاستثمار وتحسين صورة المستثمرين أمام الرأى العام، أيضاً وزارة الشباب ومراكزها المنتشرة على مستوى الجمهورية، فالدولة تنفق المليارات على هذه المؤسسات يجب أن يكون لها دور فى التنمية.
الأمل كله فى القطاع الخاص، والدول التى نهضت فطنت إلى ذلك مبكراً، حتى الشيوعية والاشتراكية خلعت يدها من كل شىء حتى من بعض المهام الأمنية وأسندتها للقطاع الخاص وأصبح دورها هو تهيئة المناخ للاستثمار والمنافسة ومنع الاحتكار وحماية محدودى الدخل ومراقبة الأسعار، لم تعد هناك دولة فى العالم تمتهن الجزارة سوى مصر تستورد المواشى ثم تذبحها وتسلخها وتقطعها وتبيعها وأيضاً تقوم ببيع الزيت والسكر والخبز، تغيير نظرة المجتمع للاستثمار تبدأ من البرلمان بإصدار القوانين التى توفر مناخاً جاذباً ثم بتحسين صورة المستثمرين أمام الرأى العام من خلال الإعلام المسئول والفن الهادف والتعليم المرتبط بسوق العمل، دور وزارة الاستثمار هو خدمة القطاع الخاص وتشجيعه. وحتى تنجح الوزارة فى مهمتها يجب اعتبار المستثمر هو الشخص المرغوب فيه رقم واحد ويحمله المجتمع على الأعناق كما تفعل كل الدول التى نهضت، وليس من المعقول أن يُعامَل المستثمر المصرى فى الخارج أفضل من بلده، يجب أن تدرك كل مؤسسات الدولة أن الاستثمار حياة أو موت وأنه طوق النجاة.. اللهم احفظ مصر، وللحديث بقية.