لسنوات طوال تواجه مصر التنظيمات الإرهابية التى تستهدف الوصول فى النهاية إلى السيطرة على الحكم منذ أربعينات القرن العشرين مروراً بالخمسينات والستينات ثم هدنة محدودة فى السبعينات فى عهد الرئيس السادات حتى تم اغتياله فى نهاية حكمه بداية الثمانينات على يد جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، وبالتالى فنحن أمام تنظيمات عقائدية لديها أيديولوجية محددة ترى أنه لا سبيل إلا القتال لتطبيقها على أرض الواقع، أحد أهم الأهداف المرحلية هو إظهار السلطة بعدم قدرتها على حفظ الأمن أو حماية المواطنين أو الأقباط أو الأجانب وشهدنا فى التسعينات استهدافاً للأجانب والأقباط ورجال الشرطة والقضاة، فضلاً عن عمليات تستهدف المواطنين مثل عمليات فى ميدان التحرير ونفق الهرم وغيرهما من العمليات أمام المدارس والميادين العامة لإشاعة الفزع والرعب. أهم خصائص التنظيمات الحديثة توافر أدوات الاتصال والتواصل وإعطاء التكليفات، التمويل السخى والقدرة على التجنيد عبر الدول والأمم وامتلاك شبكات واسعة من العلاقات والتنظيمات، التى تعد ارتكازات أساسية، ويتضح هذا من القدرة على التجنيد فى البلدان الأوروبية ليس فقط من المسلمين والعرب.
فالأساليب القديمة لمواجهة الإرهاب لم تعد صالحة الآن، فعلى سبيل المثال القبض واسع النطاق والاعتقال طويل المدى غير مفيد وذلك لتوافر العناصر والقدرة على التجنيد لشباب ليس لهم أى سوابق وغير مذكورين فى سجلات الشرطة والأمن، فكثير من العناصر التى تقوم بتنفيذ عمليات الآن ليس لديها سوابق وسبق وسافرت وتلقت تدريباً وعادت دون أن يكون لدى الأجهزة الأمنية أى معلومات عنهم، لذلك لن يكون قانون الطوارئ صالحاً لهذه المواجهة، لا سيما أن الحبس الاحتياطى طويل المدى أصبح بديلاً عن الاعتقال الإدارى.
إذاً ما العمل؟ فى الحقيقة نحن فى أمس الحاجة إلى استراتيجية طويلة المدى للمواجهة مع التنظيمات الإرهابية، لا سيما أنهم وبمساعدة عدد من الدول يرون فى مصر هدفاً يجب التركيز عليه، فهى المفتاح للسيطرة على كل بلدان شمال أفريقيا والبلدان العربية كافة، لذلك رأوا واتجهوا للتركيز على منطقة شمال سيناء ومحاولة انتزاع بقعة ارتكاز ينطلقون منها للتوسع وإدارة حرب مدن وحرب عصابات مع القوات النظامية (شرطة - جيش) بإعلان إمارة أو دولة، وهو ما تم إفشاله، ثم كانت المحاولات من على الحدود الغربية، حيث قامت مجموعات بمهاجمة كمائن ثابتة، ثم عمليات فى قلب القاهرة والدلتا وهكذا، كلما يتم التصدى إلى هجمات يرد بهجمات جديدة فى مواقع مختلفة.
الاستراتيجية يجب أن تقوم على أساس تطوير وتحديث الأساليب والأدوات الأمنية لرفع كفاءتها وإنشاء وحدات متخصصة فى مكافحة الإرهاب بأساليب حرب العصابات وحرب المدن، أيضاً ضرورة بناء قاعدة بيانات حول التنظيمات ونشاطها ليس فقط داخل مصر لكن أيضاً فى مواقع تمركزها فى العراق وسوريا وليبيا ونيجيريا ومالى، وهنا تأتى أهمية التعاون الدولى وتبادل المعلومات الاستخباراتية، النقطة الثالثة وهى تتعلق بالمواجهة طويلة المدى وهى استهداف الأيديولوجيا والأفكار التى تتبناها هذه التنظيمات، لا سيما أنها تستند إلى فكر دينى متطرف يبرر التوحش فى العمليات واستباحة القتل والتفجير ونشر العنصرية والتمييز القائم على الدين أو المذهب والكراهية للآخر، وهنا تأتى أهمية تطوير مناهج التعليم، وبوجه خاص التعليم الدينى.
جزء مهم من هذه الاستراتيجية يعتمد على قيام الأحزاب والمجتمع المدنى بدور تعزيز وتقوية الديمقراطية والمشاركة السياسية وإدماج الشباب فى العملية السياسية وإدارة الشأن العام، كذلك العمل فى المجتمع لنشر ثقافة حقوق الإنسان وقيم التسامح والقبول بالآخر وحقوق المواطنة، بمعنى تعزيز الدولة الحديثة الديمقراطية المدنية لتكون دولة سيادة القانون بديلاً عن التطرف والعنصرية والكراهية.