مواقفه السياسية قد توحى بكونه الأقرب لمصالحنا، لكن مواصفاته الشخصية تطرح التخوفات.. يتصف بالنرجسية والجرأة، وانعدام الخبرة السياسية والحكومية، محب للظهور، ساعٍ للشهرة، لم يتردد فى الظهور ككومبارس بجملة واحدة فى فيلم سينمائى.. مهووس بحلبات المصارعة؛ فى إحدى منافسات الـ«WWE» ألقى آلاف الدولارات على الجمهور!!، فى «مواجهة المليونيرات» راهن على النجم ستيف أوستين، بينما اختار فينس ماكمان، رئيس اتحاد المصارعة الحرة، بوبى لاشلى، بعد فوز «أوستين» اعتدى على «ماكمان» وحلق شعره.. خاض «تحدى الثلج»، تلقى الماء المثلج على رأسه من ملكتى جمال الكون وأمريكا.. اتهم بالتحرش الجنسى ضد المرأة، عُرف عنه تعدد الزيجات، بدأ بالعداءة وعارضة الأزياء التشيكية إيفانا تزيلينيكوفا، التى اتهمته باغتصابها بعنف، إبان مرضها، ما دفعها لطلب الطلاق، ثم الممثلة السينمائية مارلا مابليس، وأخيراً عارضة الأزياء ميلانيا كونس، زوجته الحالية.. خمسون مسئولاً بارزاً فى الأمن القومى، من الحزب الجمهورى، بينهم مدير CIA، أجمعوا على أنه غير مؤهل لقيادة البلاد، ويفتقر للشخصية والقيم والخبرة اللازمة، وتنبأوا بكونه «الرئيس الأكثر استهتاراً فى التاريخ الأمريكى».. جون كارتر، كبير الأطباء النفسيين بمستشفى جون هوبكنز، أكد «أنه يعانى من مشكلات عقلية خطيرة ولا يصلح للرئاسة»، تعهد إبان حملته الانتخابية بـ«ترحيل 11 مليون مهاجر، وحظر دخول المسلمين، وبناء سور على حدود المكسيك، ومطالبة السعودية بسداد 200 مليار دولار كرسم حماية سنوى، وسداد أوروبا 300 مليار دولار لاستمرار الدرع الصاروخية للناتو»، مواقف تعكس رعونة التفكير، وتفاهة السلوك، حتى لو وردت قبل وإبان حملة انتخابية يتم التراجع عنها فيما بعد.
تخير كبار معاونيه وفقاً لمعايير تثير الريبة؛ جيمس ماتيس، وزير الدفاع، ينتمى لمشاة البحرية، قاد الفوج السابع فى الحرب الأفغانية، وتباهى بأنه «من الممتع إطلاق النار على الطالبان»!!، قاد الفرقة الأولى فى حرب العراق، واكتسب لقب «الكلب المجنون» بعد شن «حرب إبادة» لسحق المقاومة بمعركة الفلوجة 2004، أحاله «أوباما» للتقاعد 2013 لرفضه الاتفاق النووى مع إيران وتحمسه لمواجهتها عسكرياً.. مايكل فلين، مستشاره المستقيل للأمن القومى، تعددت تصريحاته المعادية للإسلام، نادى بمنع دخول المسلمين لأمريكا، علاقته المشبوهة بروسيا تضمنها تقرير الـCIA الخاص بدعم روسيا حملة «ترامب»، وهى موضع تحقيقات الكونجرس.. الخبير ستيفن بانون، كبير المستشارين الاستراتيجيين، رغم أنه يجهر بعنصريته، ويؤمن بتفوق ذوى البشرة البيضاء، تم ضمه لعضوية مجلس الأمن القومى، حتى وصفته «نيويورك تايمز» فى افتتاحيتها بالرئيس الفعلى للبلاد، كان وراء القرارات التى أثارت غضباً واسعاً، وعلى رأسها موضوع الجدار العازل على حدود المكسيك، وحظر دخول رعايا سبع دول إسلامية، ما أثار غضباً اضطر «ترامب» لإقالته من مجلس الأمن القومى.
التناقض فى موقف «ترامب» من سوريا بالغ الفجاجة؛ وصف سياسة «أوباما» فيها بـ«المجنونة والغبية».. قبل الفوز بالرئاسة أعلن «علينا التخلص من داعش قبل التخلص من الأسد»، قبل القصف الصاروخى أكد «الأسد ليس الهدف الأول بل داعش»، أما بعده فحمّله مسئولية استخدام الكيماوى.. القصف جزء من سياسة أمريكية متعددة المحاور تستهدف تقليص النفوذ الإيرانى بالمنطقة، ضمن ما يبدو صفقة إقليمية، طمأنة النظام السورى وروسيا قبل يومين من القصف بأن إسقاط النظام ليس من الأولويات استهدف تشجيعهما على التخلص من الوجود الإيرانى، وتحقيق التوازن العسكرى بعد انتصار النظام فى حلب وجوبر وريف حماة الشمالى، واستعادة الدور الأمريكى فى التسوية، بعد أن كادت روسيا تستأثر به، ملامح الصفقة تجلت قبل القصف بيوم واحد باعتراف موسكو بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وتجديد التزامها بعدم الانزلاق لمجابهة القوات الأمريكية ما لم تتعرض قواعدها وقواتها لتهديد مباشر، قلق الكونجرس دفعه لمطالبة «ترامب» بتحديد استراتيجيته تجاه الأزمة، والحصول على موافقة مسبقة، حال رغبته فى شن الحرب، ريكس تيليرسون، وزير الخارجية، أكد دعم الإدارة لوجود مناطق استقرار مؤقتة للاجئين، لكن ذلك يفرض التنسيق مع روسيا حتى لا تؤدى إلى الصدام العسكرى، وكى لا تتحول إلى مناطق نفوذ تركية، ما يتعارض مع توجه «ترامب» للحد من نفوذها بالمنطقة أسوة بإيران.
■■■
«أمريكا أوباما» استكملت سياسة نشر الفوضى وتفكيك دول المنطقة وإسقاط أنظمتها حتى تنسحب وهى مطمئنة لعدم وجود تهديد جدى لإسرائيل، لكن ذلك لم يحقق لها أى فائدة اقتصادية أو سياسية، ناهيك عن أنها تجعل من الانسحاب الأمريكى من المنطقة سقوطاً لمصالحها فيها، «ترامب» رجل أعمال، يهمه الاستثمارات والمصلحة الاقتصادية لبلاده، وهو يدرك أن إسقاط نظام صدام وحركة طالبان أزال الخصمين الرئيسيين لإيران، ما سمح لها بالتمدد، ما يفرض تحجيمها وإعادة التشكيل الجيوسياسى للمنطقة، صلابة الجيش المصرى، ودعمه لصمود النظام السورى، فرض على الإدارة الجديدة الاعتماد على مصر كقوة إقليمية حليفة، ما يفسر حديث «ترامب» عن دعم عسكرى غير مسبوق للقاهرة، وتوجيه السعودية باستئناف ضخ شحنات البترول لها، والتصالح دون عتاب.. تحجيم تركيا وإيران يستهدف إزاحة أعداء الدور المصرى بالمنطقة، الجهود جارية لتوسيع القواعد العسكرية الأمريكية فى البحرين، وإنشاء قاعدة بريطانية جديدة؛ للحد من الاعتماد على قطر، وتحجيم دورها، لتجنب ما تسببه علاقاتها بالتنظيمات المتطرفة، ومناطحتها للسعودية ومصر، من تعارض مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، ما يفسر مسارعة الدوحة للاتفاق مع تركيا على إنشاء قاعدة عسكرية لحماية النظام.. «محور القاهرة الرياض» يمثل قيادة التكتل الجديد، الذى يضم الأردن والإمارات، وتشارك فيه إسرائيل مخابراتياً، وتدعمه أمريكا مباشرة، «نتنياهو» وصف خطة «ترامب» بأنها «نهج إقليمى، يضم شركاءنا الجدد من العرب»، و«ترامب» قال «إنه اتفاق كبير ومهم، ويضم منطقة كبيرة، ويؤثر على العديد من البلدان»، جيسون جرينبلات، المبعوث الخاص للمفاوضات الدولية، أوفد إلى الأردن خلال القمة العربية الأخيرة، للقاء وزراء خارجية الدول المعنية، ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، لاستطلاع إمكانية عقد مؤتمر السلام بواشنطن، والتوصل لاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، يكون مقدمة لبلورة الكيان الجديد.
«ترامب» لن يدرج «الإخوان» على قائمة الإرهاب بحجة أن ذلك سيصب فى مصلحة إيران، ويقوى علاقاتها بالتنظيم، إلا أن ذلك فى الحقيقة يرجع للحرص على استخدامهم مستقبلاً كأداة ضغط حال رفض مصر التجاوب مع المخطط الأمريكى، الدور المصرى فى إطار خطة الإدارة الأمريكية الجديدة، تكتنفه التخوفات المتعلقة بتأثيره على استقلالية القرار الوطنى، ومدى إمكانية الثقة فى رعونة «ترامب» وخبث أهدافه، ناهيك عن عدم استقرار موقفه الداخلى، للتراجع المبكر لشعبيته، وتعرضه للضغوط من جانب مؤسستى الأمن والإعلام.. فهل يمكن الرهان عليه؟!