سؤال بديهى، ومبدئى، لا بد وأن يكون فى الصدارة: ما هى الرسالة الإعلامية التى استهدفها الزملاء الإعلاميون من وراء لقاء زوجة الإرهابى مفجّر كنيسة الإسكندرية وشقيقه؟ ماذا كان الغرض الذى تسابقوا لأجل تحقيقه، من وراء استهلاك مساحة من البث، الذى ولا شك مكلف، ومساحة من وقت المتلقى الذى ينبغى أن يكون له قيمة؟ على ضوء هذا الهدف يمكن التقييم. ويمكن الكلام. كمتلقية، من الجمهور، لم تصلنى الرؤية ولا عرفت المراد، وإن كنت استشعرت كغيرى أن الشعرة الفاصلة بين فكرة «السبق» وبين الرؤية الحاكمة المفترض وجودها، قد سقطت، مخلفة شعوراً جمعياً بعدم الراحة. الأستاذ الزميل أسامة كمال، مع كل الاحترام والتقدير، هو الذى التقى الزوجة المنتقبة والذى قدم اعتذاراً مصحوباً بقناعة أنه يملك من القوة والثقة ما يجعله يعتذر، وقت الحاجة، لم يقنعنى على كل كفاءته وثقافته المشهودة بأن رؤية واضحة خضعت للتمحيص كانت وراء لقائه بزوجة الإرهابى، حتى لما أراد إيجاد نوع من الأسانيد من خلال استشهاده بأن الـ«سى إن إن» وقنوات أمريكية وأوروبية تسعى أو تستضيف بشار الأسد، المختلف عليه، ومحور القضية، على كل ما يحيط به من خلاف، أقول له إن الـ«سى إن إن» وغيرها تفرد المساحة «للفاعل»، لمحور الحدث الذى يمكن أن يقدم ما ينفى أو يؤكد وجهة نظر.. لكن لو أن هذه القنوات استضافت، على سبيل المثال، زوجة بشار الأسد أو ابن بشار الأسد، لما كان للقاء أى قيمة «مهنية». زوجة الإرهابى هى زوجة.
كانت الأسئلة مع «ست آية»، كما كان يناديها الأستاذ أسامة، تسير فى اتجاه استكشاف شخصية الإرهابى، ومعاملته للزوجة والجيران، وتفسير فترات الغياب، وكانت الإجابات كما يمكن التوقع، أقرب إلى الحسم بمدى خُلق الإرهابى والذى يشهد له الجميع بالاستقامة وطيب الخلق. الزوجة كانت واضحة وثابتة ولديها الرد المناسب، سواء عن الغياب فهو بسبب لقمة العيش أو نفى أى عنف موجّه لها من الإرهابى، وحتى حين كان يحاول الزميل استدراجها نحو وجود «حد لعب فى دماغ زوجها» كان ردها أن فترات وجوده كان يقضيها كاملة بالبيت، حتى الجامع لا يصلى فيه إلا الجمعة.
هل أراد الإعلام أن يوصل رسالة مفادها أن أحداً لن يحاسب بذنب اقترفه غيره وأن الأجهزة المعنية تعاملت بكل احترام مع الزوجة التى أشادت باحترامها واحترام انتقابها؟ هل أراد أن يبين لأى إرهابى فى الطريق كما صرح بأن الضحايا ليسوا فقط من يفجرهم وأن هناك أسرته وأولاده؟ طيب هل يعتقد أى واحد، إعلامى أو غير إعلامى، أن رجلاً نسف نفسه وفجّر عشرات البشر يملك رجاحة تدفعه للتفكير فى مصير زوجته وأولاده؟! طيب هو لو كان لديه ولو شبه من العقل كان قام بما قام به؟ وهل توقع الإعلامى الزميل أن تستطيع أسئلته أن تحل محل أسئلة التحقيق الرسمية، وهل هذا دوره؟ هل أرادنا أن نتعاطف مع مصير أسرة الإرهابى؟
الست آية قالت إنهم يسكنون فى منطقة فيصل وإنهم محاطون بالمسيحيين وإن التعامل بينهم عادى وبيكلموا بعض ويصبّحوا على بعض، وألحقت: «يعنى لو كنا عاوزين نقتلهم ما هم حوالينا»! ماذا أضاف مثل هذا اللقاء وأى قضية خدم؟ موقف متوقع من زوجة ليست هى الفاعل ولا هى الموضوع، وقضية أكبر وأعمق بكثير من أن تتحول إلى محاولة أصفها، لو أذنتم لى، بأنها صورة باهتة من برامج «الجريمة لا تفيد»، التى توجه كنصائح يمكن أن تجدى مع حرامى غسيل، أو لص خزائن، أجيب أهله وأوجه نظره إلى إنه بعملته يؤذى أسرته، وحتى هذا الأسلوب قد لا يكون مجدياً مع هذه النوعية، فما البال مع إنسان أو مفترض أنه إنسان، استبدل «مكونات» رأسه و«حواسه» بأخرى حللت له تفجير البشر والقتل العمد وجعلت من قتله حتى نفسه لا يساوى أكثر من «تكة على زرار» فى حزام ناسف؟
الحقيقة أنى وإن احترمت اعتذار الزميل أسامة كمال، إلا أنى لم أجد ما يبرر استهلاك مساحة بث واستهلاك مشاعر متلقين، ولا استشعرت ما يمكن أن يخدم «لحظتنا» المصيرية.. ولا أريد أن أكرر نفس الكلام عن اللقاء بشقيق نفس الإرهابى الذى قام به الزميل عمرو أديب على قناة أخرى، والذى لم يحمل أى مفاجأة: واحد أخوه متهم بتفجير وطن، ما هو المنتظر أن يكون رد فعله غير ما فعل!؟
بعض وجهات النظر استندت إلى شواهد سابقة، لقاءات بمتهمين بالتجسس أو بمتهمين آخرين فى قضايا مماثلة، والأمر هذه المرة يختلف ويختلف جذرياً، فارق بين مهنىة لقاء «فاعل» تكشفه أو تستكشفه وبين أن تأتى بفرد من عائلته، كل ردود فعله متوقعة، والأهم أنه لا مكان له من الإعراب، كما يقال، إلا لو أن الغرض أن تثير التعاطف أو تؤكد أن الاتهام وتوابعه لا تطول إلا المتهم وحده، ولا أعتقد أن هذا كان المراد أو لا ينبغى أن يكون.
يبقى السؤال الذى عليه ينبغى القياس والتمييز: ما هو الغرض وما هى الرؤية أو الرسالة الإعلامية التى بموجبها كان هذا التسابق، أو أن التسابق «مجرداً»، كان المستهدف، وهذا وإن كان مشروعاً فى بعض الأحيان، فإنه لا يجوز، فى سياق ما نواجهه.