متى نتوقف عن العبث بقضايانا وهمومنا الوطنية؟ ومتى ندرك الفارق بين حرية الرأى والحق فى الحوار العام، وبين دق أسافين أو ألغام فى مساحات الحوار الوطنى من أجل دعم رؤية سياسية أو تصفية حساب حزبى؟
هذه ليست مساحة للشجار أو الادعاء على طرف، ولكنها وللأسف حقيقة مؤسفة يمارسها البعض فى سياق ادعاء الموقف وهو يعلم جيداً أنه يبحث عن مناطق الخلاف والصراع فى قضايا بعينها لا تحتمل سوى تلمس مناطق الاتفاق وتوسيعها حتى نتمكن من خلالها من القضاء على نقاط الخلاف أو الاختلاف.
خلال الأسبوع الماضى الذى شهد لحظة من لحظات الألم الوطنى فى الاعتداء الإرهابى الفاشى على كنيستين، أدار البعض بصره وبصيرته عن اللحظة وبدلاً من الالتفاف معاً فى مواجهة عدو يستهدف الجميع بحث هؤلاء عن اتهامات يساهمون بها فى تعزيز وتكريس محاولات الإرهابيين لشق الصف الوطنى.
هل صحيح أن الإرهاب لا يستهدف سوى الأقباط دون غيرهم فى مصر؟ وهل صحيح أننا نمارس الزيف والكذب لتمرير مقولات مزيفة من نوعية «النسيج الوطنى» ونحن نعلم أننا لا نحمى هذا النسيج ولا ندافع عن جزء أصيل من مكوناته؟
الحقيقة أننا أحياناً نطالع عبثاً، عبثاً مخلوطاً بحسابات سياسية، ويؤكد أن أصحاب هذا الاتجاه مدرسة من مدارس الفشل التاريخى الباحثة عن تصفية الحسابات وليس إدارة الخلافات.
حاولت تخيل الفارق بين إهمال شرطى فى منطقة حراسته تسبب فى إزهاق أرواح، وبين إهمال موظف عام فى أداء عمله تسبب فى إهدار حقوق، ولم أجد فارقاً كبيراً، كما لم أجد سبباً متعمداً هنا أو هناك يدفع البعض للإهمال سوى الاستهتار فى أداء الواجب بغض النظر عن النتائج، فالإهمال هو الإهمال.
من المستحيل الحديث عن حرب إرهابيين تستهدف إزهاق أرواح الأقباط وتصفيتهم قتلاً أو تهجيراً من مصر لإخلائها من غير المسلمين، فهؤلاء لا يقل عددهم عن 10 ملايين مصرى، ومن يتخيل ذلك هو واهم وساذج وأهبل، وأنا واثق كل الثقة أن الإرهابيين ليسوا سذجاً أو «هُبل»، وإنما هم يعرفون جيداً وحددوا هدفهم فى شق نسيج الثوب الوطنى للإيقاع بالدولة كلها.
محاولات كثيرة تُبذل لإظهار قصور الدولة المصرية المتعمد عن حماية دور العبادة وتحديداً القبطية منها، وهى محاولات ساذجة، لأن الدولة التى تتجاهل حماية أبنائها هى أشبه بمن حاول إخافة زوجته فسكب ماء النار على وجهه أو قطع أصابع يده ليؤكد براءته، فيصيبه من الكوارث أكثر مما يصيب غيره.
هناك بالقطع أوجه قصور.. وكثيرة، ولولاها ما وقعت تلك العمليات الإرهابية بهذه الخسائر، لكن أيضاً هناك جهوداً مضنية تُبذل تنجح أحياناً فى منع كوارث، ولكن هل يعنى هذا القصور تعمداً وتجاهلاً مع سبق الإصرار فى توفير الحماية المطلوبة للأقباط؟ وهل المسألة فى حماية الأقباط دون غيرهم؟ أم أننا نرغب فى ترسيخ اتهامات لو دارت عجلتها لن نتحمل نتائجها.
هل يعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن تصفية أقباط مصر ستتيح للإرهابيين حكم البلاد، وأن العائق الحقيقى أمام داعش هم الأقباط؟ إيه السذاجة دى.