من جديد أجدنى مضطراً إلى الكتابة عن الهيئات الإعلامية التى صدر قرار بتشكيلها مؤخراً، والمناسبة هى الخناقة المشتعلة حالياً بين رئيس المجلس الأعلى للإعلام الأستاذ مكرم محمد أحمد، والأستاذ حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وموضوع الخناقة هو وراثة كرسى وزير الإعلام الكائن بمبنى ماسبيرو، وهو الكرسى الذى اعتاد الجلوس عليه كل من تولى هذا المنصب عندما كانت هناك وزارة بهذا الاسم. فمنذ صدور قرار تشكيل الهيئات، بادر «حسين زين» وبقية أعضاء الهيئة الوطنية للإعلام إلى الزحف نحو مكتب الوزير والمكاتب الملحقة به والتربّع فيها، انطلاقاً من أن هذا المكتب كان مأوى آخر من تولى رئاسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهو الأمر الذى أغضب «مكرم» بشدة، ودفعه إلى وصف ما حدث بـ«الفتونة» -على حد ما نشر موقع جريدة «الشروق»- وتأكيد أن المقر ليس ملكاً لأشخاص، وأن الأولى به هو المجلس الأعلى للإعلام ورئيسه، باعتباره السلطة التنفيذية المختصة بمقرات الهيئات والمجالس. النزاع على «الكرسى» قائم منذ اللحظة الأولى لتشكيل المجالس، ويزداد اشتعالاً يوماً بعد يوم، فى ظل تمسّك «زين» به، استناداً إلى قانون وضع اليد، وأنه من وضع يده عليه أولاً، وإصرار «مكرم» على إزاحته ليجلس هو عليه، لأنه الأولى بحكم رئاسته للمجلس الأعلى للإعلام بسلطات وزير، ولأن المسألة كما وصف «مش فتونة»!.
حدّثتك منذ بضعة أيام عن مؤشرات الرؤية التى يتبنّاها رؤساء الهيئات لتطوير الإعلام، كما ظهرت فى كلماتهم أمام النواب، وهى رؤية ترتكز -فى تقديرى- على وضع الإعلام فى «الدفاية»، بحرق المؤسسات التى تعانى اقتصادياً، وأغلب مؤسسات الإعلام القومى تعانى على هذا المستوى أشد المعاناة بسبب تحولها إلى إعلام ملاكى للسلطة، وتحويل مسار الوسائل التى ستستمر إلى تقديم إعلام ينشر الدفء الذى يساعد على التثاؤب، وبالتالى على النوم. فى هذا السياق يمكنك أن تستوعب قيمة وأهمية الكرسى، فهل يستطيع أحد أن يستمتع بـ«الدفاية» دون وجود كرسى يسترخى عليه أمامها؟!. لك أن تتصور النتيجة التى يمكن أن يصل إليها الإعلام القومى، وهو يُدار بهذا الأسلوب، ولك أن تتوقع أيضاً نهايته المحتومة لكى يُباع بالقطعة فى سوق الإعلام الخاص (التجارى).
ما أقوله ليس اكتشافاً، بل هو واقع يشهد عليه أداء أظن أنه سيتواصل على هذا النحو، وليس أدل على ذلك من تلك المفردات التى شردت ووردت على ألسنة رؤساء الهيئات بعد ترسيمهم كقيادات لها، وهى مفردات تجد جذرها فى القاموس الرئاسى. فالرئيس تحدث كثيراً عن الإعلام، واشتكى منه، والملاحظ أن رؤساء الهيئات كانوا حريصين كل الحرص على ترديد المفردات التى سبق واستخدمها الرئيس فى هذا السياق، بالطريقة نفسها وباللهجة ذاتها. وتقديرى أن رئيس الدولة عندما أتى بهم إلى مواقعهم كان يتوقع منهم حلولاً لمشكلات الإعلام، وليس مجرد تكرار صوتى لشكواه، ولست أدرى كيف يقيم الموقف الآن وهو يجد رؤساء الهيئات يتعاركون على كرسى، كلٌّ يريد الجلوس عليه؟. كما أننى لا أستطيع أن أقرر هل يستوعب هؤلاء الكبار أن أداءهم على هذا النحو يسىء إلى السلطة التى اختارتهم أم لا؟. الواضح فى كل الأحوال أن أزمة جديدة أضيفت إلى أزمات الإعلام القومى فى مصر.. اسمها «أزمة الكرسى»!.