تكليف كتيبة رباعية وليس فرداً، فى وزارة الزراعة، حقق نقلة جديدة غيرت بالفعل طبيعة عمل المسئولين المصريين بعد 25 يناير 2011، وكانت النتيجة.. جرأة الطحن والعجن.. لكن للأسف دون إنتاج أرغفة سائغة للآكلين الجوعى، وذلك لأسباب قد تحبط الخبازين أنفسهم.
لم تعد رعشة الأيدى حالة مناسبة لوصف المرحلة الراهنة، فقد اجتهد الوزير ونوابه الثلاثة فى صياغة برامج لإدارة محركات قطار الوزارة الذى بات معطلاً على قضبانه قرابة عام ونصف العام، فى عهد الوزير السابق، ومع أصوات المحركات الصاخبة، لم يقطع القطار شوطاً ناجزاً حتى الآن، لأسباب غاية فى الغموض.
أضواء الطابق الثالث فى مبنى ديوان عام وزارة الزراعة، تشهد على سهر نائبة الوزير الدكتورة منى محرز، المسئولة عن الثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، حتى الثانية عشرة من منتصف الليل يومياً، وطواحين الإعلام الرسمى والمستقل والخاص، توثق دورانها اليومى بين مواقع العمل فى معظم محافظات إنتاج اللحوم والدواجن والأسماك، لرصد المشاكل، وصياغة الحلول، التى منها قرار وقعه الوزير برقم 368 لسنة 2017، وبتاريخ 12 مارس 2017، يختص بتسهيل استخراج تراخيص تشغيل مزارع الدواجن، وبعد تأخر نشر القرار فى «الوقائع الرسمية» 22 يوماً، بدا مبتسراً، ولا يحقق طموحات منتجى الدواجن، حيث يحتاج إلى قرار تفسيرى واضح، يفيد فى تقنين إقامة المزارع فى الصحراء، دون الارتباط بنسبة الـ2% المحددة لأراضى الوادى والدلتا، استناداً إلى قرار سابق محفوظ فى أرشيف الوزارة.
«الوقائع المصرية» لا تنظر بعين الأهمية لما يأتيها من قرارات أو قوانين، فكله فى «الطابور» حسب الأسبقية، وليس حسب الأهمية، فتصبح كل القرارات سواء فى طابور النشر، وذلك بعد دفع مقابل النشر (12 ألف جنيه)، ما يتسبب فى إعاقة نتائج العمل عن الظهور إلى النور.
- الخطط العاجلة أولى بالدفع، حيث كان من الأولى تنفيذ مقترحات صغار المربين، وذلك بتعديل لائحة الصرف من صندوق تعويضات المضارين، خاصة بعد أن أصبحت «إنفلونزا الدواجن» غير وبائية، ليصبح الصرف واجباً خلال 24 ساعة لكل من تعرض لنسبة نفوق عالية، حسب رأى لجنة مختصة من اتحاد منتجى الدواجن، دون تدخل وزارة الزراعة فى أمر هذا الصندوق، الذى تم إنشاؤه لغرض استثنائى عام 1996، وأصبح مخالفاً للقانون والدستور، حيث أنشئ دون موافقة البرلمان.
- أسعار الدواجن فى ارتفاع مطرد، لأسباب خارجة عن استطاعة المربين الخاسرين أيضاً، ومنها: عدم وجود بورصة رسمية تشرف عليها الدولة، لتضييق الفجوة بين سعر المزرعة، وسعر البيع للمستهلك، حيث كان الفارق الاثنين الماضى فقط 7 جنيهات، يلتهم منها السمسار 3 جنيهات دونما تعب.
- من أسباب زيادة الأسعار أيضاً عدم قدرة المربين على شراء مستلزمات الإنتاج بسعر منخفض، ومنها: مدخلات صناعة الأعلاف، والمصل واللقاح، وكتاكيت الجدود، ولا سبيل للأولى إلا إذا نجحت الوزارة فى خطتها لزراعة مليون فدان ذرة صفراء (مع تحميل الصويا عليها)، وحتى الآن، مع اقتراب نهاية موسم زراعة الذرة، لم تشر أى إحصاءات رسمية للوزارة إلى أى تقدم فى هذا المجال، قياساً بالأعوام الماضية، على الرغم من تعدد الاجتماعات واللجان المعنية ببرنامج زراعة الذرة «تعاقدياً».
- مخالفات الثروة السمكية أيضاً تستعصى على الحل.. ملفها ملغوم.. ويقال إن من وضع اللغم قصد ألا تمتد إليه يد.. وعواقب الألغام دائماً وخيمة، لكنها تطال المواطن/المستهلك، قبل أن ينال المسئول عنها جزاء ما صنعت يداه.
لجنة فنية توصى بعدم صلاحية ثلاثة حفارات ثمنها أكثر من 45 مليون جنيه، للعمل فى البحيرات الشمالية لمصر، فيتم شراؤها رغم أنف قرار اللجنة الفنية، كأن لسان حال من اشتراها يقول إن إرادته فوق قرارات كل اللجان، بدليل وجوده على رأس هيئة الثروة السمكية فى عهد وزيرين، ثم ترقيته لرئاسة كل هيئات الوزارة فى عهد الوزير الثالث، ثم إعادته فى فاصل فارق إلى «بحره» الآمن، ليستمر فى ممارسة فنونه المعهودة فى عهد الوزير الرابع الحالى.ومع بلوغ رائحة فساد كل بحيرات مصر درجة لا تحتمل، حتى نفقت الأسماك، وقارب الصيادون مرحلة الموت، وناح المستهلك من ارتفاع سعر وجبة الفقراء من البلطى، لا يزال هذا المسئول فوق كل القوانين.
قطاع الثروة السمكية من القطاعات الأكثر التحاماً بالغالبية العظمى من المصريين محدودى ومتوسطى الدخول، كون الأسماك تمثل الوجبة الأقل تكلفة، والأسهل منالاً، والأقرب إلى ذائقة المصريين، بكل درجاتهم، وكل حسب قدرته الشرائية، والاجتراء الذى تعرضت له بحيرات مصر، منذ ما بعد عام 2004 وحتى الآن، تحت مسمى «الاستغلال الأمثل»، حوّلها إلى حقول استزراع سمكى تسمن المحظوظين، وتميت المغضوب عليهم.
إقامة المزارع السمكية فوق جسد البحيرات، تسببت فى شيوع إحصائية مغلوطة، تؤكد أن نسبة ما تنتجه مصر من الصيد الحر من البحيرات والشواطئ، لا تتعدى 22%، مقابل 88% للاستزراع السمكى، وبالتالى تتضاءل فى نظر صانع القرار أهمية هذه البحيرات، فلا يكترث لإهمالها، أو ردمها، أو تجسيرها وتحويلها إلى مزارع محاصيل أو أسماك للصفوة، ومبان للطامعين.
كثير من الدراسات التى خضعت لها بحيرات مصر، وكثير من المنح العلمية والمالية لحل مشاكلها، وكثير من اللغط السياسى والإعلامى المرتبط بدعوات تنمية الثروة السمكية، على غرار تنمية الثروة الحيوانية، وزراعة ملايين الأفدنة، ولا تزال النتائج محلك سر، ليس لعدم قدرة المسئولين على الإنجاز، خاصة فى المرحلة الراهنة، بل لارتباط بعض النائمين على «فرامل» قطار التنمية بمحاسيب يصرون على بقائهم، رغم مخالفاتهم التى ذاع صيتها، وعبقت روائحها.
وحتى يقبض الله أرواح المحاسيب، ستظل فرامل التنمية معطلة، ما لم يوجه صانع القرار ضربة مباشرة لمن أمن العاقبة، فأساء التصرف.