أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب. أكد وزير خارجية إثيوبيا خلال لقائه والرئيس عبدالفتاح السيسى أن بلاده لا تعارض مصالح الشعب المصرى، وأنه لن يضار من المشروعات الإثيوبية. كلام جميل، حبذا لو تمت ترجمته إلى إجراءات على الأرض. حقيقة الأمر أن أمور إثيوبيا فى إدارة ملف سد النهضة تتناقض إلى حد بعيد مع هذا الكلام الدبلوماسى، فقد اتخذت قرارها ببناء سد النهضة عام 2011، مستغلة حالة الاضطراب التى ضربت مصر تزامناً مع ثورة يناير 2011، ومنذ توقيع اتفاقية المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا 2015، وقد ماطلت كثيراً حتى وصلت إلى توافق مع مصر والسودان على اسم المكتب الفنى المسئول عن الدراسة الفنية والآثار الجانبية للسد، وهى فى كل الأحوال تعتمد على سياسة «فرض الأمر الواقع»، وعما قريب سوف تتم بناء السد، وتبدأ فى مرحلة الملء، ولا يستطيع أحد أن يقرر هل ستركب إثيوبيا رأسها وتملأه فى 3 سنوات، أم ستصل إلى حل توافقى مع مصر ليتم ملء السد خلال مدة أطول، مما يقلل من تأثيراته الجانبية على مصر، وحصتها من ماء النيل.
تقديرى أن دعوة وزير الخارجية إلى مصر خطوة جيدة، فمن المهم أن يكون الحديث بين الطرفين المصرى والإثيوبى مباشراً، خصوصاً بعد أن أصبح سودان «البشير» يعمل تحت العباءة الحبشية، وينسق مع أديس أبابا أمنياً واقتصادياً، وبالتالى لم تعد له أية قيمة كوسيط -وكثيراً ما كانت تعتبر السودان نفسها كذلك- بين مصر وإثيوبيا، والكل يفهم أن «الخرطوم» تكايدنا بهذا الأداء، بسبب عينها التى تضعها على حلايب وشلاتين المصريتين. استضافة وزير الخارجية الإثيوبى فى القاهرة خطوة جيدة كما ذكرت، وتقديرى أن صانع القرار المصرى يستوعب الفارق بين ما يقوله المسئولون أمام وسائل الإعلام، وما يجب الحصول عليه من ضمانات فى الاجتماعات المغلقة، وأتعشم ألا نكتفى مع إثيوبيا بمجرد كلمات تطمينية، لأن هناك كما ذكرت واقعاً على الأرض، وقد دأبت هذه الدولة على إسماعنا ما نريده، فى وقت تنفذ فيه على الأرض ما تريد، وهى تجد مساندة من دول لها خصومات مباشرة مع مصر، مثل إسرائيل، وبعض الدول الخليجية، بالإضافة إلى السودان بالطبع. من المهم أن تحصل مصر على ضمانات واضحة وملزمة من الطرف الإثيوبى، ومؤكد أن القيادة المصرية تستوعب خطورة هذا الملف، وحجم القلق الذى يتعامل به المصريون معه، خصوصاً مع اقتراب مرحلة ملء السد.
كلام الوزير الإثيوبى جميل، الأجمل منه هو الإجراءات التى تتم على أرض الواقع لحماية الحصة التاريخية للمصريين فى ماء النيل. على صانع القرار الإثيوبى أن يستوعب هذا الأمر، ويفهم أن أى إضرار بمصالح مصر فى النيل سيواجه بما يستحقه. الرسالة التى يجب أن تصل من مصر إلى إثيوبيا لا بد أن تؤكد على حقيقة أن مصر تمتلك الأدوات التى تمكنها من حماية حقوقها، وأن بإمكانها استخدامها فى أى وقت، إذا اقتضت الضرورة ذلك. لسنا فى حاجة إلى طمأنة الوزير الإثيوبى، لأن المصرى يعرف كيف يقفز على مشكلاته الوقتية عندما يواجه قضية مصيرية.. ليت الأحباش يفهمون.