نتفق جميعاً على أن مواقع التوصل الاجتماعى، خاصة «فيس بوك»، أصبحت من أهم وسائل تشكيل الوعى العام المصرى. وهو ما نلمسه بوضوح فى تناول ما يحدث فى المجتمع والتعليق عليه. ويمكن أن نقسم ردود الفعل على النحو التالى: فئة قارئى العناوين، وهى الفئة التى تحكم على أى شىء مكتوب من عنوانه دون بذل أى مجهود فى قراءة مضمون الكلمات، بل لديهم من الثقة فى النفس غير المبنية على منطق لكتابة تعليقات سلبية تذهب بالحوار إلى منحى بعيد تماماً عن هدف كتابته الأصلية. وفئة «الزيّاطين»، وهى الفئة التى تنتعش بالتفاعل مع تعليقات الفئة الأولى دون أى معرفة حقيقية ودقيقة بأصل الموضوع. فضلاً عن فئة ثالثة جديدة هى فئة مرتزقة الإعلام «المؤيد/المعارض»، وهى فئة ظهرت فجأة قبل 25 يناير فى مناصب قيادية إعلامية وسياسية.. جعلها من أشد الموالين للنظام، وسرعان ما رحلت، وأصبحت خارج سياق الحالة السياسية والإعلامية، ولم تجد لنفسها دوراً سوى أن تقول وتعلنها صراحة بأنها معارضة تنتقد فى سبيل الوطن.
الخطورة فى الفئة الأخيرة أنها تستخدم عدة أساليب فى الترويج لكتابتها المسمومة.. فتارة تستخدم التهديد والتكفير، وتارة تستخدم ازدراء الأديان، وتارة أخرى تستخدم التحريض على القتل. والملاحظ فى هذه الفئة أنها تعتمد على «ثقافة العنعنة»، أى إنها ترَوِّج لكلمات وأفكار تحت بند «نقلاً عن» كاتب أو شخص محدد.. رغم أنه لم يكتبها أو يرددها من الأصل.. فى سبيل تصدير الصورة المسمومة التى يخططون لها، موالاة لجماعة محظورة وغير قانونية أو لاتجاه ما، لتملقه وكسب وده.
الحقيقة أننا لا نقبل أى رأى يخالف رأينا أو أهدافنا وتوجهاتنا، بل نحاول دائماً، فى الوقت نفسه، أن نردد ما هو على النقيض مما سبق بأننا نتقبل الاختلاف. وهو ما يعود بشكل مباشر إلى المناخ المحيط بنا، والذى يُرسّخ لفكرة أن يكون هناك أسلوب واحد فقط للتفكير، وهو ما يظهر فى الثنائيات المتناقضة، وعلى سبيل المثال: أنا أو أنت، مؤيد أو معارض، مسيحى أو مسلم، مؤمن أو كافر، وطنى أو عميل..
أفرزت لنا تلك الحالة فئة فى حياتنا الفكرية، يمكن أن نطلق عليها ظاهرة «الانطباعيين الجدد». وهو مصطلح قمت بصكه للتعبير عن هؤلاء الذى يكوِّنون آراءهم بناء على «ثقافة العنعنة» أى ما سمعوه عن فلان أو فلان، وليس شيئاً آخر.
وفى النهاية تكتشف أنه فى الكثير من المواقف والأحداث الجدلية ينقسم الرأى فى المجتمع المصرى إلى مؤيدين لحرية الفكر والتعبير، وبين رافضين تماماً له. وفى كلتا الحالتين تكتشف أن أحد الفريقين لم يقرأ ما انقسما حوله.. للدرجة التى تجعل النقاش حول الاتفاق والاختلاف يدور فى فلك مغاير عما نُشر أو طُرح من أفكار جدلية. ويصبح رأيهما فى نهاية المطاف مجرد انطباع.. لا يرتقى إلى رأى محدد.
وكالعادة، يتبع «الانطباعيين الجدد» الوكلاءُ الذين يخرجون علينا وكأنهم حماة حمى الدين والوطن. وهم الذين تقع على كاهلهم مواجهتك باستخدام كل الأساليب والأسلحة، بما فيها المحرم فكرياً ومهنياً ووطنياً، وذلك على غرار الهجوم دون موضوعية، واختزال النقاش فى أشخاص. وهو نوع من تحويل النقاش من مربع الموضوعية إلى مربع التحيز.
نقطة ومن أول السطر:
مرتزقة الإعلام والوطنية لن يرحمهم التاريخ، وأرشيفهم المخزى على الإنترنت لن يمحوه تكفيرهم لغيرهم، أو ازدراء دين غيرهم، أو التحريض ضدهم.
المواطنة المصرية ستنتصر..