جمعتنى الصدفة بمجموعة من شباب الجامعة منذ أيام. غاضبون؟ ربما. لديهم عشرات الاستفسارات؟ أكيد. بداخلهم حالة من التشويش المعلوماتى والقيمى المؤثر على نظرتهم؟ نعم، هذا صحيح. ولذا كانت رغبتى فى أن أحكى لكم ما حدث وحوارنا الذى تمنيت لو طال لساعات لأستوعب قلقهم وتوترهم وشجونهم وتمردهم فى زمن ساد فيه مسخ النخب وإعلام بلا طحين فقط عالى الصوت. بينما هم بحاجة لمن يستمع لهم ويجيبهم بوقائع.
حملت نقطة الحوار الأولى رفضاً لفكرة المشروعات الكبرى فى ظل أزمة اقتصادية وبخاصة قناة السويس التى أنفقنا فيها مليارات لم تأتِ بعوائدها. فكان ردى عليهم بأن تلك المشروعات هى أساس الاستثمار، فالمستثمر لن يأتى بدون طريق ومصادر طاقة ونقل وصرف صحى. كما أن تلك المشروعات هى القادرة على استيعاب ملايين من الأيدى العاملة التى فقدت فرص العمل أو تسعى له.
ثم كان الحديث عن قناة السويس فقلت: «فيما يتعلق بالتوقيت فإن الأمر بسيط للمتابع لما يجرى فى المنطقة والعالم. فقد بدأ الحفر فى أغسطس 2014 وقت حديث الصين عن تجديد طريق الحرير القديم بخطوط سكك حديدية وصلت إلى لندن وبرلين، وخطوط بحرية، وكان عليك الدخول معهم فى تلك الطريق لتكون القناة نقطة ملاحية مهمة فى التصنيع والتموين والتجارة. ووقتها كان قد تبقى لبنما عامان تقريباً على الانتهاء من توسعة قناتها البالغ طولها 89 كم وقد أعلنت أنها ستسحب البساط من تحت أقدام قناة السويس. ووقتها كانت إسرائيل بصدد توقيع عقد إنشاء سكة حديد تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر كبديل لقناة السويس التى بلغ طول قناتها الموازية 73 كم. ولهذه الأسباب كان التوقيت الذى عليك أن تضيف له تراجع العالم العربى عن مد يد العون والتمويل لك. فكانت رسالتك للجميع أن هذا الشعب من سيمول مشروعه وقد كان بجمع 64 مليار جنيه فى أسبوع واحد. ثم ألم تكن الانتقادات توجه للدولة فى الماضى لجعلها القناة مجرد ممر مائى تحصّل منه رسوم المرور دون الاستفادة منه صناعياً وتجارياً؟ لهذا كانت خطة تطوير القناة شاملة لإقامة مشروعات فى مختلف المجالات وحفر أكبر أنفاق فى العالم لربط سيناء بمدن القناة.
قال أحدهم: «لماذا لا يتحدث الإعلام فى مثل تلك المعلومات بتلك الطريقة الشارحة؟» فأجبته: «ربما يتحدث البعض منهم ولكنكم لا تصغون سوى للصوت العالى ولا تبحثون إلا عن الإثارة».
ذهبنا لنقطة تحرير سعر الصرف وخفض الدعم على الوقود والكهرباء مؤكدين أنها شروط صندوق النقد الدولى. فقلت لهم إن وجهة نظرهم تحمل الكثير من القصور. لأن مصر عضو فى الصندوق وتساهم به بنسبة محددة وهى باقتراضها منه تحصل على حقها، والصندوق لن يمنح قرضاً لدولة فاشلة أو يشك فى قدرتها على السداد. كما أن تحرير سعر الصرف كان قراراً صائباً للتخلص من تشوهات السوق والمال فى بلادى بعد أن بات هناك سعران -البنوك والسوق السوداء- والمستثمر يريد شفافية فى التعامل. ثم إن تحديد سعر الصرف من قبل الحكومة لم يحمِ الاقتصاد المصرى بل زاد من أعبائه ومنح فرصاً تنافسية لأسواق أخرى خفضت عملتها كالصين وباتت سلعها أرخص. أما خفض الدعم فقد بدأنا مرحلته الأولى فى يوليو 2014 وأعلنت الدولة وقتها أنها باتجاه إلغائه نهائياً خلال خمس سنوات لذا فما حدث فى نوفمبر الماضى هو المرحلة الثانية. وأن معيار قوة الاقتصاد ليس سعر الصرف بل قدرتك على الإنتاج ونسب النمو. ثم قلت إن الغلاء أحد أسبابه تحرير سعر الصرف لكن أسبابه الباقية تتعلق بعدم زيادة الإنتاج وغياب الرقابة الداخلية وعدم وجود أسواق تبيع السلع للمستهلك بدون وسطاء.
وللحديث بقية