فى تأمل دقيق للحالة العامة ومعطيات الموقف فى الشأن الخاص بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.. ربما نجد كثيراً من الغموض الذى يكتنف السياق ويجعله مبتوراً وغير مفهوم.. ولكننا نجد أمامنا فى الوقت نفسه ملفاً كامل المعطيات ومكتمل الأركان.. لا ينبغى أن يتم إهماله أو حتى التعامل معه باستخفاف وروية.. ملفاً يحمل اسم «العائدون من الجهاد»! الأمر لا يحمل أى مبالغة.. فالخطر المقبل سيأتى -أو أتى بالفعل- من هؤلاء الذين رحلوا إلى سوريا والعراق للانضمام للتنظيمات المسلحة هناك.. فلم يلبثوا أن اكتسبوا أسماء جديدة وكنيات غريبة.. لم يكن أولها أبوإسحق المصرى، الذى فجر الكنيسة البطرسية منذ شهور قليلة.. ولن يصبح آخرها أبا البراء الذى فجر نفسه أمام الكنيسة المرقسية بالإسكندرية منذ عدة أيام.. إنهم مجموعة من الانتحاريين الذين يبدون للمراقبين أشبه بالكاميكاز اليابانى.. يجيدون حمل السلاح بكل أشكاله.. والأهم.. أنهم تشبعوا بأفكار مدسوسة وملوثة تقضى أنهم على موعد مع الجنة بالانتحار أو تفجير أنفسهم فى مكان ما!
يشير تقرير للجنة الأمن الوطنى بالكونجرس الأمريكى فى نهاية عام ٢٠١٥ إلى أن عدد المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش وجيش النصرة قد وصل لأعداد غير مسبوقة.. فقد قدّر التقييم الأمنى عدد المقاتلين الأجانب بنحو 20 ألفاً، منهم أكثر من 3 آلاف من الدول الغربية، ورغم أن عدد الأمريكيين من بين هؤلاء لا يصل إلى مائتين فقط على الأكثر، إلا أن المخاوف تتصاعد مما يشكله هؤلاء من تهديد عند العودة إلى موطنهم الأصلى مقبلين من سوريا، الأمر لم يتوقف عند الإدارة الأمريكية فقط.. ففى نهاية العام الماضى كشف تقرير صحفى مصرى نشرته مواقع متعددة أن وزارة الداخلية المصرية أعدت خطة لملاحقة العائدين من تنظيم الدولة.. بل وأظهر التقرير أن الوزارة ألقت القبض بالفعل على أكثر من ٣٥ شاباً تتراوح أعمارهم بين الـ٢٢ والـ٤٠ عاماً.. الثابت أن سياجاً أمنياً يحاول أن يبدو محكماً تحاول الداخلية فرضه على هؤلاء الذين عادوا.. ولكن يبدو أن البعض قد تسرب من ذلك السياج.. وقام بتلك العمليات الأخيرة! الصورة كلها تشى بخطر محدق بالعالم كله بسبب تلك الكتائب المسلحة.. ويعيد للأذهان ما تسبب فيه هؤلاء الذين عادوا من أفغانستان فى ثمانينات القرن الماضى.. والذين قادوا موجات من العنف فى مصر والجزائر وقتها.. وكانوا سبباً مباشراً فى حادث الحادى عشر من سبتمبر فى نهاية المطاف!! المشكلة أن التوقعات كلها تشير إلى أن العائدين هذه المرة ربما يكونون أكثر شراسة وخطراً على دولهم من أقرانهم الذين عادوا من أفغانستان من قبل.. فالمجموعة الأخيرة كانت تحمل بين أفكارها وأيديولوجياتها الحد الأدنى من الآدمية.. ويحملون فى مرجعياتهم الدينية ما يجعلهم أكثر رفقاً بالعالم المحيط.. الأمر الذى تفتقده تماماً المجموعة الأولى المقبلة من داخل تنظيم الدولة الهمجى!! إننا أمام خطر حقيقى يحدق بالعالم بأسره.. وبالمنطقة العربية تحديداً باعتبارها صاحبة النصيب الأكبر من جنسيات العائدين من سوريا.. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن بقوة.. هل تتمكن أجهزة الأمن العالمية -والمصرية بصفة خاصة- من السيطرة على هؤلاء الذين عادوا؟! هل أعدت أجهزة الأمن برامج لتأهيل هؤلاء الشباب لتمكنهم من التخلص من كل أفكارهم الشاذة؟.. وتساعدهم على الانخراط مجدداً فى مجتمعهم الأول؟
الإجابة لا نجدها مبشرة حتى هذه اللحظة!!