متى يلجأ الإنسان إلى المجازفة؟ فى تقديرى أن ثمة حالتين يلجأ فيهما الإنسان إلى المجازفة، الأولى أن يكون لدى الشخص طموح كبير، وطمع مستطير فى تحقيق هدف معين، فيندفع إلى المجازفة دون تقدير جيد للموقف، ودون حسابات لمعطيات الظرف، مع استعداد لتحمل النتائج المفاجئة التى يمكن أن تقابله انطلاقاً من قاعدة «من يريد العسل عليه أن يتحمل لدغات النحل». الثانية أن تتكاثر على الشخص المشكلات، وتحلق فوق رأسه التعقيدات، بصورة تمنحه شعوراً بضرورة فعل أى شىء حتى ولو جازف، انطلاقاً من فكرة «أركز فيما يحقق أهدافى وأنسى مشكلات المحيط».
لو أننا تأملنا محيطنا القريب والبعيد سنجد أن مسرحه يحتشد بالعديد من الشخصيات التى يمكن وصفها بـ«الشخصيات المجازفة». أحدهم يطمح إلى حكم دولة، فى تجربة تتشابه مع تجربة «جمال مبارك» فى مصر. الطموح ليس عيباً، لكن العاقل من يخطو الخطوة بحساب، فيقدّر النتائج قبل أن يتحرك، لكن المشكلة أن الطموح أحياناً ما يصرف صاحبه عن التفكير فى معطيات الظرف وقدرات الذات، فيسبق طمعه تفكيره ويندفع إلى المجازفة. محاولة «جمال مبارك» فى مصر باءت بالفشل، لأن ما تحقق فى سوريا، يوم أن ورث «بشار» حكم أبيه «حافظ الأسد»، لم يكن من السهولة بمكان أن يتأتى فى مصر، وكانت النتيجة انهيار «أسرة مبارك» التى تربعت على حكم مصر لما يقرب من ثلاثة عقود. واجب على المجازف الذى أعنيه ويتشابه مع نجل الرئيس السابق فى الطموح والطباع أن يقرأ ظروف الواقع ويفهم عبَر التاريخ جيداً ويستوعب أن كل شىء بأوان، وأن ما قد يظنه الإنسان فى نفسه من قدرة على صناعة الظرف وتهيئة الأجواء وتليين المعترضين هو المقدمة الكبرى لهز الواقع حتى السقوط.
نماذج أخرى متنوعة للمجازفين يحتشد بها الواقع، عندما يفكر إنسان فى المستقبل أكثر مما يكترث بأمر الواقع فتلك مجازفة، عندما يظن إنسان أن اهتمامه بالخارج أهم من عنايته بالداخل فتلك مجازفة. ما رأيك فى الأب الذى يترك أبناءه يعانون الجوع والحاجة إلى الدواء والكساء والتعليم لأنه يدّخر كل قرش يأتيه من أجل بناء بيت يصنع لهم مستقبلاً، تُرى هل سيصمد الأبناء حتى يأتى ذلك المستقبل؟ ما رأيك فى رب الأسرة الذى يقضى كل وقته خارج البيت ولا يعتنى بأهله ولا ولده بالقدر المطلوب، ويؤمن أن نجاحه فى الخارج سوف يمكّنه من الاستمرار على القمة، دون أن يأبه إلى أن المفاجآت التى يصح أن تأتيه من الداخل قادرة على إرباك كل خططه الخارجية؟ التوازن مطلوب، لا بأس من أن يعمل الإنسان للمستقبل، ولكن ليس بكل ما فى جيبه أو بجعبته، الحكمة تقول: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً». شىء جيد أيضاً أن يتحرك الإنسان فى الخارج، على أن يلتفت إلى الداخل بالدرجة الواجبة من الاهتمام. أما أن يراهن الإنسان بكل ما لديه على «الطموح غير المحسوب» أو «المستقبل دون الحاضر» أو «الخارج دون الداخل» فتلك هى المجازفة بعينها.