زيارة جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكى، للمنطقة اقترنت بتفسيرات تتعلق بالترويج لإنشاء «ناتو» عربى، لمواجهة إيران والتنظيمات المتطرفة، أول من دعا لإنشائه الجنرال مايكل فلين، المدير السابق لوكالة المخابرات الدفاعية، ومستشار ترامب المستقيل للأمن القومى (يونيو 2015)، شارك مجموعة من الخبراء العسكريين والأمنيين بمركز لندن لأبحاث السياسات بواشنطن «سبتمبر 2016»، برئاسة تونى شافر نائب رئيس المركز، فى إعداد ورقة عمل لتأسيس «منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر» لتتولى مسئولية الدفاع المشترك وفرض الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط.. الحلف تقوده واشنطن، وتضطلع فيه مصر بمسئوليات قيادية، ويضم السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، وإسرائيل بصفة مراقب، ويستهدف مواجهة داعش، وإيران، والتطرف الإسلامى.. وليد فارس، مستشار السياسة الخارجية لترامب أشار للفكرة «نوفمبر 2016»، والجنرال جيمس جونز القائد الأعلى السابق لحلف الناتو دعا لها، باعتبارها وسيلة لحشد قوة عسكرية تتولى التنسيق وتبادل المعلومات الأمنية، والعمل وفق استراتيجية وتكتيك مشترك، لمواجهة المخاطر العالمية للإرهاب والتصدى لتهديدات إيران «الوجودية».
الحديث عن الـ«ناتو» بدول المنطقة تجاوز مرحلة الهمس، أنور عشقى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية استبعد الفكرة بداية، واعتبرها محاولة للالتفاف على القضية الفلسطينية، وأن المنطقة لا تتحمل إسرائيل كشريك، ثم تراجع مؤكداً إنها موضع دراسة!!، وبررها كتنفيذ لميثاق الدفاع المشترك، وتوقع خروجها للنور نهاية 2017 بعد اجتماع وزراء الدفاع للاتفاق على ميادين الوجود والدولة القائد ومقر «معهد التدريب العسكرى»، والمطارات والموانى التى ستخدم العمليات العسكرية.. الدكتور عبدالخالق عبدالله، مستشار ولى عهد أبوظبى، أشار إلى أن مصر لديها الرغبة فى التحالف!! والإمارات لديها الموارد، والسعودية يمكنها التنفيذ، والأردن يمتلك القدرة والخبرة، ما يسمح بتشكيل التحالف.. اللواء أحمد العسيرى، مستشار وزارة الدفاع السعودية، أكد إنه «لا يستطيع التعليق على خطة لم تصبح رسمية بعد».
وأضاف «ليست لدينا علاقات رسمية مع إسرائيل، ومع ذلك فهم يواجهون نفس التهديد الإيرانى»!!.. ماتيس وفلين عقدا محادثات مبكرة بشأن المشروع مع الدبلوماسيين العرب بواشنطن.. وترددت أنباء عن تجهيز غرفة عمليات «موك» بالأردن لتكون مقراً لقيادة عملياته بالمشرق!!.. على النقيض من صمت المسئولين العرب، تحدث نتنياهو بثقة «للمرة الأولى، لا ترى الدول العربية إسرائيل كعدو، بل كحليف»، ورد ترامب مؤكداً «هناك اتفاق أكثر أهمية على أرض الواقع، سيشمل الكثير من الدول، وسيغطى منطقة شاسعة»!!، وتصريحات الجبير، وزير الخارجية السعودى، وليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلى، بمؤتمر ميونخ للأمن، توافقت على أهمية مواجهة إيران، قبل أن يعلن ليبرمان «لقد حان الوقت لتشكيل تحالف رسمى بشكل علنى».
الاستراتيجية الأمريكية حتى نهاية حكم أوباما اعتمدت على تفتيت الدول وهدم الجيوش التى يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل، وذلك تمهيداً للانسحاب من المنطقة، استراتيجية ترامب تقوم على افتراض أن الحرب على الإرهاب فى طريقها للانتهاء، ما يفرض على أمريكا القيام بدور فاعل يسمح لها بتعبئة دول المنطقة لخوض المواجهة المقبلة ضد إيران، صياغتها بشكل طائفى يضمن شراستها، وتقليص النفوذ الشيعى، وتفكيك محور «طهران- موسكو»، ما يجعل الاستراتيجيتين تتفقان فى الهدف وهو مجرد إبعاد أى تهديد عن إسرائيل، لأن أمريكا لو كانت تعتزم خوض مواجهة جادة مع إيران، لما رفعت «الحرس الثورى» و«حزب الله» من قائمة التنظيمات الإرهابية.. السعودية ودول الخليج هما الحليف التقليدى لواشنطن، لذلك يعتزم ترامب تقديم دعم مباشر للتحالف ضد الحوثيين، وبيع ذخيرة موجهة بدقة للسعودية، وتوجيه البنك الدولى لإعداد خطة إعادة الإعمار فى مجالات الطاقة والمياه ومحاربة الفقر بمجرد انتهاء الحرب، ضماناً لتجاوبهما مع دعوة التحالف.
فكرة الـ«ناتو» تواجه تحديات وتضارباً فى المصالح؛ السعودية قد تأمل فى جعله امتداداً لقوات درع الجزيرة، تحقق من خلاله مصالحها فى اليمن وسوريا والبحرين، بينما الأولوية لمصر مواجهة الجماعات الإرهابية التى تستهدف أمن واستقرار البلاد، وتجنب الصبغة الطائفية، انطلاقاً من وسطيتها، ما يفسر التعارض مع الموقف السعودى من الأزمة السورية، بالإضافة لحرص سلطنة عمان وقطر والكويت على تحقيق التوازن فى علاقاتهم بإيران، ما قد يحول دون انخراطهم فى أى أنشطة ضدها.. ناهيك عن عداء تركيا للفكرة، لتعارضها مع علاقاتها الوثيقة مع إيران، وما قد تتيحه لمصر من لعب دور رئيسى بالمنطقة على حسابها، إلى حد أنها رفعت الفيتو عن مشاركة إسرائيل فى المناورات العسكرية لحلف الناتو، لتشجعها على عدم الانخراط فى دعم التحالف الجديد، ولتطرح إطاراً بديلاً للتحرك الأمريكى بالمنطقة.
الحديث هنا عن تحالف إقليمى، يدخل فى إطار توازنات دولية، تتعلق بالصراع على المنطقة، وهذا يعتبر خطاً أحمر ومحظوراً فى السياسة الخارجية لمصر منذ 1952، مصر رفضت دخول دوائر النفوذ والتحالفات الدولية عبر تاريخها المعاصر، والحفاظ على استقلالها كلفها الكثير، حتى إبان حكم أوباما، فكيف تنقلب إلى حليف تابع؟!.. التحالف ضد إيران يعنى معاداة روسيا، حليفتها التى تعتمد عليها بالمنطقة، بدءاً باليمن، وانتهاءً بسوريا والعراق، سياسة استعراض القوة، والاندفاع الأمريكى الراهن، التى عكسها ضرب قاعدة الشعيرات السورية، وإلقاء «أم القنابل» بأفغانستان، وتحركات الأسطول السابع فى شبه الجزيرة الكورية، يمكن أن تورط التحالف الجديد فى حرب فعلية مع إيران، وربما روسيا، فما مبرر الانزلاق إلى مواجهات لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟! خاصة أن إيران لا تشكل لنا تهديداً من أى نوع، أو على أى مستوى، بل ثمة نوع من الهدوء فى العلاقات بين البلدين، ظهر صداه فى القرار العراقى بتزويد مصر بالبترول، بمباركة إيرانية بالطبع.. استقبال مصر عمار الحكيم رئيس الائتلاف الوطنى العراقى، القائد الشيعى، قبل وصول ماتيس بيوم واحد، يعكس حرصها على نفى أى شبهات تتعلق بإمكانية التورط فى صراعات مذهبية.. زيارة الجبير للعراق فبراير الماضى، ولقاء العبادى وسلمان بالأردن، وتعيين سفير للمملكة ببغداد، يعكس تغيراً نوعياً فى طبيعة التحرك السعودى بالمنطقة، يمكن أن يحد من قدرة إيران على الاستمرار فى استقطاب العراق سياسياً، وقد يؤدى لتحسين علاقات الرياض مع طهران، بعيداً عن العداء الطائفى، والتهديد بالمواجهة.
القمة العربية أقرت مشروع إنشاء القوات العربية المشتركة الذى طرحته مصر فى مارس 2015 لحماية الأمن القومى العربى، وضمان مصالحه.. فهل يراجع الأشقاء الذين سعوا لتجميده أنفسهم من جديد بدلاً من تلك المشروعات المشبوهة المطروحة على الساحة، والتى تعيد المنطقة لدوائر النفوذ الغربية؟!
احذروا، فـ«الناتو العربى» بالغ الضرر، والحرج، للجميع!!