أمر يثير القلق.. مجلس النواب يوافق بشكل نهائى على تعديلات قانون السلطة القضائية التى تقضى باختيار رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية. منذ عدة أيام كانت هناك تصريحات صادرة عن أعضاء بالمجلس تعد بمناقشة قريبة لكل من قانون السلطة القضائية واتفاقية تيران وصنافير. ها نحن أولاء أمام موافقة على تمرير القانون الأول، موافقة شملت ثلثى أعضاء المجلس. القرار قوبل بحالة غضب من جانب نادى القضاة الذى أعلن عن تأجيل الاجتماع الذى كان مقرراً عقده يوم الأربعاء الماضى (يوم الموافقة على القانون) إلى موعد آخر لم يحدد بعد. فى الظاهر نحن أمام أزمة ما بين القضاة من ناحية ونواب الشعب من ناحية أخرى، لكن ذلك لا يمنع من أن السلطة التنفيذية أصبحت هى الأخرى طرفاً فى الأزمة، وقد سبق أن ناشدت بعض الرموز القضائية رئيس الجمهورية التدخل لوقف هذه التعديلات، فى مفارقة عجيبة دعا فيها القضاة الطرف الذى تعطيه التعديلات حق تقرير أسماء رؤساء الهيئات القضائية إلى التدخل لإيقاف التعديل!
عموماً، الطريقة التى سبق أن تعامل بها القضاة مع التعديل، حين طرح، والتى ارتكزت على فكرة «المناشدة»، تقول إن من غير الوارد أن يكون هناك رد فعل كبير من جانبهم عقب موافقة مجلس النواب على القانون، فى كل الأحوال سوف توضح لنا الأيام المقبلة ملامح الصورة كاملة. دعونا من هذه المسألة وتعالوا إلى ما هو أهم.
الأهم فى الأمر أننا أصبحنا على مقربة من مناقشة اتفاقية «تيران وصنافير»، وكما استيقظنا يوم الأربعاء على موافقة مجلس النواب على تعديلات قانون السلطة القضائية، فمن الوارد أن نستيقظ فى يوم آخر قريب على مناقشة الاتفاقية والتصويت عليها. قلت لك غير مرة إن خروج الجزيرتين من الإقليم المصرى ليس بالأمر الهين أو السهل على الكثير من النواب، وتقديرى أنه كذلك على مستوى العديد من مؤسسات الدولة المصرية، ولعلك استمعت إلى حديث الرئيس عن هذا الموضوع فى مؤتمر الشباب، فقد قال عند سؤاله عن موضوع تيران وصنافير: «إحنا كسلطة تنفيذية خلصنا الواجب بتاعنا وعملنا اللى علينا، والاتفاق موجود فى البرلمان والقضاء، ومحدش هيجامل على حساب بلده».
هناك أمران يثيران القلق بقوة من أن يتورط المجلس فى الموافقة على الاتفاقية، أولهما الموافقة السريعة على قانون السلطة القضائية، وهى موافقة تمنحك مؤشراً عن أن الخطوات والقرارات التى تتخذ على الساحة السياسية هذه الأيام تخلو من الحذر. وليس القضاء ببعيد عن اتفاقية «تيران وصنافير»، وأنت تعلم أن هناك حكماً قضائياً باتاً ونهائياً صدر عن المحكمة الإدارية العليا يقضى بمصرية الجزيرتين. الأمر الثانى يتعلق بالأجواء الاقتصادية العامة التى تسود البلاد، ولعلك استمعت إلى التصريحات التى جاءت على لسان عدد من المسئولين خلال الدورة الثالثة للمؤتمر الوطنى للشباب بالإسماعيلية، وهى تؤشر فى معظمهما إلى أيام أكثر صعوبة مقبلة على المستوى الاقتصادى. إذا وضعت ما تثيره هذه التصريحات من مؤشرات حول واقعنا الاقتصادى المعقد، إلى جوار ما تمارسه المملكة العربية السعودية من ضغوط اقتصادية على مصر فلا بد أن يعتريك القلق من موقف مجلس النواب من الاتفاقية، وأن احتمالية الموافقة عليها قائمة. وهى خطوة لا يخفى عليك مخاطرها، بل قل نتائجها الكارثية على المشهد السياسى المصرى برمته.. ربنا يستر.