في مدينة الإسماعيلية، عُقد المؤتمر الثالث للشباب، ومع كل مرة يُعقد فيها المؤتمر الشهري للشباب الذي كان إحدى توصيات مؤتمر شرم الشيخ، نجد أن المؤتمر بفعالياته وقضاياه وتوصياته قد تجاوز كونه إحدى توصيات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ ليتحول إلى آلية أو منصة ثابتة للحوار والتواصل بين الشباب والمسؤولين من قمة السلطة التنفيذية، وحتى شباب الكتاب والإعلاميين والبرلمانيين، بعبارة أخرى تحولت مؤتمرات الشباب الدورية إلى إحدى أدوات الدولة في التواصل المجتمعي.وفي ظل التساؤل المكرر من البعض عن جدوى المؤتمر، فيمكننا القول إن تنظيم مؤتمر دوري للشباب تحقق قيمة المساءلة المجتمعية، والتي تعني بمشاركة ورقابة المواطن للسياسات، فلدينا من خلال المؤتمر عناصر المساءلة المجتمعية من الشفافية والمشاركة، حيث الحرص على المصارحة بالتحديات والمعوقات، أما المشاركة فتتجسد في قدرة الشباب على تحديد القضايا موضوع المناقشة والتي يخرج بها توصيات وقرارات، وهو ما يعني قدرتهم على المساهمة في وضع أجندة السياسات العامة.وتُعد المنتديات المحلية وجلسات الاستماع والمؤتمرات العامة التي تناقش فيها القضايا الرئيسية التي تهم الشأن العام، لذا فوجود آلية دورية للحوار والرقابة والتقييم وطرح الأفكار، يجعل من مؤتمرات الشباب أحد أهم أدوات المساءلة المجتمعية، بجانب البرلمان والمجتمع المدني.وللدليل على ما سبق نجد أن ما تم خلال مؤتمر أسوان من خلال مداخلات الشاب الذي تحدث عن مصنع كيما والسيدة التي طلبت من الرئيس تحسين خدمات قطارات وجه قبلي لتصل إلى مستوى قطارات وجه بحر، كل هذه الممارسات تثبت قدرة المواطن على تقييم الخدمات المقدمة له، وطلب تحسينها من المسؤولين مباشرة، ليعد هذا جزءا من المساءلة المجتمعية، وإشراك للمواطن فيما يقدم له من سياسات وخدمات.ومن جانب آخر، يمكن اعتبار المؤتمر فرصة للخروج بقرارات هي في جزء منها محاولة لإصلاح السياسات مثل إعلان تشكيل مجموعة للتحفيز والمتابعة من شباب هيئة الرقابة الإدارية ممن قدموا عرض محاكاة الاقتصاد المصري، ومجموعة من شباب البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة لمتابعة التوصيات والخطط.والقرار بدراسة تطوير المجلس الأعلى للاستثمار وتحويله إلى المجلس الأعلى للاستثمار والتصدير وتفعيل دور المجلس الأعلى للمدفوعات لدمج الاقتصاد غير الرسمي، وميكنة الجمارك والضرائب للحد من التسرب المالي، والبدء في إجراءات إنشاء المجلس الأعلى لقواعد البيانات برئاسة رئيس الجمهورية.والقرارات السابقة الخاصة بالعفو عن بعض المسجونين من الشباب ممن يثبت عدم تورطهم بالعنف، والنظر في قانون التظاهر وعقد حوارات بين شباب الأحزاب للتعرف على رؤاهم في بعض القضايا الوطنية كالتعليم ومحو الأمية، وهى فرصة لشباب الأحزاب لعرض رؤاهم التي هي في جزء منها برامج أحزابهم.ومن هنا يمكن القول إن المؤتمر بجانب ما يمثله من شفافية ومساءلة مجتمعية هو تدريب وتثقيف سياسي للشباب، للتعرف على قضايا السياسات العامة، والتي هي من المفترض أنها دور الأحزاب، والتي لم نشعر بهذا الدور حتى منذ قيام ثورة يناير وعدم وجود نظام سياسي قائم، لم نلمس أي دور للأحزاب التي طالما تحججت بالتضييق عليها من جانب الأنظمة السابقة.ومن وجهة نظرنا فمؤتمرات الشباب تُعد تطبيقا عمليا لما جاء بالدستور حينما نص في المادتين (11، 244) على التمثيل الملائم للشباب والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك بهدف تمكين الفئات المهمشة من تمثيل احتياجاتها، فلم يقتصر التمكين على التمثيل التشريعي بل امتد إلى جميع جوانب الحياة من خلال إعلان عام الشباب وعام المرأة وأخيرا عام 2018 عام ذوي الاحتياجات الخاصة عبر مؤتمرات الشباب.وأفضل ما ساهم في ديناميكة مؤتمرات الشباب، هو انعقادها في مختلف محافظات مصر، ما ساهم في إتاحة الفرصة للتعرف على مشكلات كل محافظة من خلال أبنائها، فضلا عن أن التركيز على عرض فرق فنية من كل محافظة تقدم أهم تراثها الفني والشعبي، يعكس في جزء منه خصوصية وتنوع ثقافة الأقاليم المصرية بما تتمتع به من فنون وآداب وعادات مختلفة عن الأخرى، ليثبت ثراء المجتمع ، وقدرة مصر على احتواء واستيعاب كل الاختلافات دون أي محاولة للتنميط أو الإقصاء، وهو ما يذكرنا بزمن الإخوان المسلمين ومحاولتهم طمس الهوية المصرية، وفرض أخرى بدلا منها.أما الجديد في مؤتمر الإسماعيلية، فكان هو توجيه الشباب في بداية المؤتمر، الدعوة لشباب العرب وإفريقيا للمشاركة في فعاليات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ 2017 لمناقشة جميع القضايا بحيادية وموضوعية، وهو ما يمكن أن يتم تحت شعار "فكر وأبدع عالميا".دعوة شباب العالم لمؤتمر الشباب في مصر، سيدخل الشباب المصري في مرحلة جديدة من توسيع الآفاق واستكشاف المستقبل على مستوى جديد، والتفاعل مع القضايا العالمية، التي تمكن الثقة والاستقلال والمهارات والقدرة التنافسية العالمية المطلوبة بجانب استكشاف الاختلافات الثقافية وبناء الثقة، وتعزيز مهارات صنع القرار في جو من الاحترام المتبادل.واقترح أنه يمكن عمل نماذج محاكاة للقضايا الدولية، مثل قضايا البيئة والإتجار بالبشر والمخدرات والهجرة غير الشرعية، والاحترار العالمي، وانتشار الأسلحة النووية، والمساعدات الخارجية، وصياغة مقترحات السياسات وتقديم حلول لتلك المشكلات، وتبادل الخبرات والتعرض لتجارب الدول في مجالات التشغيل والعمل والتدريب وريادة الأعمال.من هنا فلا بد أن يشارك جميع شباب مصر ويتبادل الحوار ويستفيد من أي نافذة يستطيع أن يعبِّر من خلالها عن مطالبه وأحلامه، لا سيما لو ظهرت إيجابياتها في سياسات تنفذ في الواقع.