مع اقتراب موعد انتهاء دور الانعقاد الثانى لمجلس النواب بعد شهرين على الأكثر، وفق ما نص عليه الدستور فى المادة 115، نرى المجلس «الموقر» يُسابق الزمن فى إصدار تشريعات تُثير من الأزمات أكثر مما تُحقق من منافع للوطن والمواطنين!
وقد شهد المصريون أزمة بين المجلس «الموقر» والقضاء المصرى الشامخ، بموافقته على تعديلات لقانون السلطة القضائية، اقترحها وكيل اللجنة التشريعية بالمجلس، من غير مقتضى يُبرر التعديل، ولا الإسراع فى الموافقة عليه، بتغيير أسلوب اختيار رؤساء الهيئات القضائية، الذى رفضته جميع الهيئات القضائية التى أوجبت المادة 185 من الدستور أخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، كما رفض مجلس الدولة تلك التعديلات. وفوجئ المصريون بإقرار التعديلات المرفوضة من أصحاب الشأن فى جلسة عامة يوم الأربعاء 26 أبريل 2017، دون مناقشة تقرير مجلس الدولة المتضمن الرفض القاطع لتلك التعديلات!
وقد كان الأمل أن يرفض رئيس الجمهورية إصدار ذلك القانون، لكن تم التصديق، ولا يعلم أحد ما تداعيات هذا القانون!!
وثمة أزمة فى الطريق، تتمثل فى تعديلات مقترحة لقانون الأزهر الشريف، أعدّها أحد النواب، ونشرت وسائل الإعلام بعضاً منها، لو صحت لكانت نموذجاً لانتهاك الدستور، إذ تخالف ما نص عليه الدستور؛ حيث نصّت المادة السابعة على أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء».
ونرى التعديل المقترح يناقض النص الدستورى مناقضة صريحة ومستفزة حين يُحدّد مدة ولاية شيخ الأزهر، بست سنوات، وأجاز إعادة انتخابه، مرة واحدة فقط، وتبدأ إجراءات الانتخاب قبل انتهاء ولاية شيخ الأزهر، بشهر على الأقل، مع إحالته إلى التحقيق أمام لجنة من «كبار العلماء» حال إخلاله بواجبات الوظيفة!!
ولست أدرى إن كان مُقدم الاقتراح قد قرأ نص المادة 4 من قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961، ومدى ما تتصف به من رُقى اللغة ودرجة الاحترام والتوقير لمنصب شيخ الأزهر، حين نصّت على أن «شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى فى كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية فى الأزهر وهيئاته. ويرأس المجلس الأعلى للأزهر»!
بينما تنص التعديلات المقترحة على أنه «فى حالة إخلال شيخ الأزهر بواجبات وظيفته، يُحال إلى لجنة تحقيق تُشكّل من أقدم سبعة أعضاء فى هيئة كبار العلماء، بناءً على قرار من ثلثى أعضاء الهيئة، وتتولى اللجنة التحقيق معه فى ما يُنسب إليه وتسمع أقواله، وتُعد (اللجنة) تقريراً، بناءً على ذلك، إما بتبرئة ساحته، وإما إدانته، مع اقتراح أحد الجزاءات (الإنذار، اللوم، عدم الصلاحية)، ويعرض هذا التقرير على هيئة كبار العلماء، ويُتخذ القرار فيه بأغلبية الثلثين»!!
ذلك نص غير دستورى وغير مقبول بكل المعايير، فضلاً عن تهافت اللغة المستخدَمة فى الصياغة، فذلك النص يحمل قدراً خطيراً من التدنى، ولا أظن أن أعضاء مجلس النواب «الموقر»، مسلمين أو مسيحيين، يقبلون مثل هذا الحط من قيمة وقامة منصب وشخص الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وقدره فى كل العالم الإسلامى وغير الإسلامى! إن الاعتراض على ذلك النص المقترح لا يعنى تقديس الإمام الأكبر ومنصبه، لكنه يُعبّر عن رفض تناول منصب وشخصية إسلامية يحترمها المسلمون فى كل أرجاء الأرض بهذا المستوى من الخطاب المهين!
وتتضح قمة عدم دستورية ذلك التعديل من ثلاثة أمور ظاهرة كالشمس؛ أن التعديل المقترح يتدخّل فى إدارة شئون الأزهر، بينما الدستور حدّد أن الأزهر هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شئونه. الأمر الثانى المخالف للنص الدستورى هو تحديد مدة ولاية شيخ الأزهر بست سنوات، وجواز إعادة انتخابه لمرة واحدة فقط، بينما الدستور نص على أنه غير قابل للعزل، بمعنى أنه يشغل منصبه لمدة غير محدّدة، حيث لم يُحدّد الدستور مدة لشغل المنصب، وتنتهى مهمة الإمام الأكبر، إما بالاستقالة أو العجز عن أداء مهام المنصب أو الوفاة. والمخالفة الدستورية الثالثة للتعديل المقترح أنه أشرك أعضاء مجمع البحوث الإسلامية مع هيئة كبار العلماء فى اختيار شيخ الأزهر.
وثمة شروط استحدثها التعديل المقترح، مخلة بقيم المجتمع المصرى ومرشحة بقوة لإثارة الفتنة وإحياء الطائفية البغيضة، حين نص على مراعاة التنوع المذهبى والفكرى والعمرى عند اختيار شيخ الأزهر. فلا الدستور ولا قانون الأزهر الحالى يُحدّدان أى شروط فى من يتم اختياره شيخاً للأزهر، وليس من شأن ما يقترحه مُقدم مشروع التعديل، إلا إتاحة الفرص للسلطة التنفيذية وأجهزتها والقوى السياسية للتدخل فى شئون الأزهر بالانحياز لمرشح معين من مذهب أو فكر يتناسب مع أهداف ورؤى تلك الجهات! إضافة إلى خلل الصياغة، وأظنه متعمداً حين يذكر مُقدم الاقتراح اسم هيئة كبار العلماء كإحدى الجهتين المنوط بهما اختيار شيخ الأزهر من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، ثم يعود فيذكر أن يُختار لهذا المنصب ثلاثة من بين أعضاء كبار العلماء دون ذكر كلمة «هيئة» قبل «كبار العلماء»، وهذا يعنى أن يتم اختيار أحد «كبار العلماء»، من دون أن يكون عضواً فى «هيئة كبار العلماء»!!
ونأتى إلى المادة الرابعة من مشروع تعديل قانون الأزهر، وهى تتصف بالتدخّل المزرى فى شئون الأزهر، التى يختص بها دون غيره وتمثل فى رأى قمة عدم الدستورية حين تنص أنه «لا يجوز لمستشارى شيخ الأزهر ممارسة أىٍّ من اختصاصاته، ولا يجوز له تفويضهم فى ذلك، ولا يجوز لهم إصدار قرارات تنفيذية تخص الأزهر والهيئات التابعة له، ولا يتم تعيين أى مستشار لشيخ الأزهر من غير مواطنى الجمهورية إلا فى حالة الضرورة، وبعد أخذ رأى وزارة الخارجية وموافقة الأجهزة الرقابية المعنية».
مرة أخرى، يتضح غرض مُقدم اقتراح التعديل، وهو إلغاء استقلال الأزهر وفتح أبواب تدخل السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية والرقابية فى شئون الأزهر الذى اختصه الدستور، دون غيره، بالقيام على «كافة شئونه»!
من زاوية أخرى، فإن ذلك الاقتراح بقصر تعيين مستشارى شيخ الأزهر على المصريين، إلا فى حالة الضرورة، وبعد أخذ رأى وزارة الخارجية وموافقة أجهزة الرقابة، يحيل الأزهر الشريف إلى هيئة للمصريين فقط، والأصل فيه أنه منارة العالم الإسلامى للمسلمين كافة، فى كل أنحاء العالم، وذلك بالمخالفة أيضاً للمادة السابعة من الدستور التى وصفت الأزهر الشريف بأنه «هيئة إسلامية»، ولم تصفه بأنه هيئة مصرية!
وتتوالى التعديلات المقترحة من عضو مجلس النواب الهادفة إلى تفريغ منصب الإمام الأكبر من صلاحياته، ولتنص على: «يُعين رئيس الجمهورية إمام وخطيب الجامع الأزهر من بين ثلاثة تُرشّحهم هيئة كبار العلماء، ويُحدّد المجلس الأعلى للأزهر الموضوعات التى تتناولها خطب الجمعة فيه، وتُحدّد اللائحة التنفيذية لهذا القانون الأنشطة والفعاليات الدينية والعلمية والاجتماعية والثقافية للجامع»، وهكذا فإن الخطبة الموحّدة التى رفضها الإمام الأكبر تعود فى التعديلات المقترحة، لتُصبح اختصاصاً واجب التنفيذ من «المجلس الأعلى للأزهر» الذى خصّه القانون الحالى بالنظر فى الاستراتيجيات والسياسات العامة بالموازنات وأمور تدبير موارد الأزهر، والنظر فى كل مشروع قانون أو قرار جمهورى يتعلق بأى شأن من شئون الأزهر!!
والسؤال الأهم فى شأن مجلس النواب «الموقر» هو: هل انتهى المجلس من مهامه الأساسية التى حدّدها له الدستور، وهل أنجز التزاماته التى خصّه بها الدستور حتى يتفرّغ لقضايا ليست على قائمة أولويات إنقاذ الوطن من مخاطر الاقتصاد المترنح، والفساد المتغول، والإرهاب الغادر؟
ولك الله يا مصر!!