الملاحظ فى زيارة بابا الفاتيكان لمصر أن خطابه وخطاب رئيس الجمهورية وخطاب شيخ الأزهر خرج من مشكاة واحدة، تحمل الدعوة للمحبة والسلام، كأن شخصاً واحداً هو من كتب هذه الخطابات، فضلاً عن أنها خلت من الأخطاء اللُغوية، فالرئيس السيسى للمرة الثالثة يلقى خطاباً خالياً من الأخطاء اللُغوية، وبابا الفاتيكان جاءت خطاباته خالية من الأخطاء، وشيخ الأزهر معتاد على عدم الوقوع فى أخطاء لُغوية، وعموماً هذه ملاحظة هامشية.
والمهم هنا أن زيارة بابا الفاتيكان لمصر حدث يستحق الإشادة، ومكسب كبير على المستوى السياسى والأمنى والثقافى والاقتصادى، وأثبتت الزيارة أن مصر ما زالت تضطلع بدورها فى بناء الجسور بين الأديان والحضارات، والتعانق بين أكبر مرجعيتين فى العالم، وأن ما حدث فى مصر ثورة، وليس انقلاباً، وأن العالم، بخلاف دولة أو دولتين، تعامل مع مصر على هذا الأساس، وللزيارة مكاسب اقتصادية؛ ففيها رسالة اطمئنان للسائح فى جنوب أوروبا وهى المناطق الأكثر اهتماماً بالدين إذا ما قورنت بغيرها كفرنسا وبريطانيا.
أيضاً كان شيخ الأزهر واقعياً حين أوضح فى كلمته أننا لو اتهمنا الدين بأنه السبب وراء العنف، لكانت التهمة سائرة على كل الأديان، وليس الإسلام فقط، كما كان الشيخ موفقاً فى استخدام عبارة «تشغيل مصانع الموت»، وهى المصانع التى يعمل المتطرفون من الأديان على تشغيلها، بل إن حسن البنا دعا فى مقال له لـ«صناعة الموت».
أما البابا فقد اتسمت خطاباته بالهدوء والمصارحة، واتسمت طريقة لبسه بالتواضع، فهو لا يرتدى السلاسل الذهبية كغيره ممن سبقه، ورفض ركوب السيارة المصفحة.
أيضاً فالزيارة خطوة جيدة فى التقارب بين الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية، خاصة مع ما بينهما من تباعد، فقد أشاد بابا الفاتيكان بالأنبا تواضروس، ووقعا اتفاقية تمنع إعادة تعميد القبطى إذا تحول عن كنيسته.
لكن لا ينبغى المبالغة بوجود مكاسب من وراء الزيارة ذات بال فى مواجهة التيارات المتطرفة، فالمؤتمرات أياً ما كانت قوتها وشهرتها، وآخرها مؤتمر السلام العالمى بالأزهر الذى حضره بابا الفاتيكان، لن تحقق المرجو منها فى هذا المضمار، لأنها لم تخرج بنتائج على أرض الواقع يمكن أن تصل للشباب فى القرى والنجوع، وأزعم أن فتاوى السلفيين تجاه الآخر المسيحى ما زالت تأخذ حيزاً يقتنع به عدد من الشباب.. والسبب فى ذلك أن التيارات المتشددة تسبق بخطوات فى مجال الفضاء الإلكترونى.
وأول خطوة على طريق نبذ الطائفية أن نقتنع بخطورة مناقشة العقائد بين أتباع الأديان، لأن كل دين يعتز بمقدساته، ومن شأن مناقشة العقائد بين أتباع الأديان إثارة الفتن والصدام، وهو ما يرفضه العقل والمنطق، كما يجب التركيز على أن الإنسانية تسبق التدين، وتُعد المدخل الحقيقى والرئيسى له.
هناك عدة دلالات فى زيارة بابا الفاتيكان لمصر والأزهر الشريف، وحضور الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالمى للسلام؛ فهى تأكيد أن ما حدث فى 30 يونيو ثورة مكتملة الأركان، وأنها كما كانت مدعمة من مؤسسة الأزهر الشريف والكنيسة المصرية فإنها مدعمة من رمز ومرجعية الدين المسيحى، وهو البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، رسالة للعالم بمكانة الأزهر الشريف.
هل لهذه الزيارة أثر على الواقع الفعلى المتعلق؟ أعتقد لا، استغلال هذه الزيارة للتسويق لإدارة المشيخة وضعفها وترهلها وتقصيرها شىء لا يصح، فى مصر لم تشرق فقط شمس المعرفة بل شمس الدين، إن هذه الزيارة الناجحة يجب أن تستغل.. كلمة «الطيب» كانت مكتوبة بعناية؛ تحدث عن فصل الدين والسياسة، الدين ليس مشكلة لكنه جزء من حل المشكلة.