«هذا الضجيج لا شىء»، ضجيج ردود الفعل على ميثاق حركة حماس الجديد، ميثاق أشاد به المراقبون وراهن عليه المتفائلون وسخر منه الرافضون والمناوئون، ميثاق ربما كان نسخة أكثر مصداقية فى رؤية حماس للقضية الفلسطينية للحصول على أرض صلبة ضد توجهات ونهج الرئيس محمود عباس، ميثاق يبدو معتدلاً يتماشى وطبيعة المرحلة والمتغيرات المتسارعة على مستوى العالم، هذه الوثيقة تمثل تطوراً فكرياً فى مسيرة الحركة وتاريخها، وضعتها على قضبان الحركة الوطنية الفلسطينية، متمثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية الإطار الوطنى الشرعى للشعب الفلسطينى بأسره، قالها إسماعيل هنية، نائب رئيس حركة حماس، بأن الوثيقة جاءت لتعكس التطور الكبير لحماس التى تتمسك بالاستراتيجيات والثوابت، وقالها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى للحركة «الوثيقة مرجع الحركة فى الأداء السياسى اليومى وميثاق الحركة الذى يدعو إلى تدمير إسرائيل صدر عام 1988، ونحن الآن فى 2017 تصدر الوثيقة وكل واحد منهما يعبر عن مرحلة لسنا بصدد القول إن هذه الوثيقة تلغى الأخرى»، وقال يحيى السنوار، قائد حماس فى غزة، إن الوضع سيكون ممتازاً دون تفاصيل إضافية!
ثمة تغيير طرأ على مسيرة وفكر حماس بعد 30 عاماً من وضع ميثاقها الأول غداة تأسيسها، الذى أشار بوضوح إلى أن الحركة هى جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين ولا تفرق بين عموم اليهود كأتباع دين سماوى وبين اليهود المحتلين لفلسطين، وتعرف نفسها بأنها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيونى، ويختلف هذا النص عن نظيره الذى ورد فى ميثاقها المؤسس الذى اعترف بوضوح أن الحركة جناح من أجنحة جماعة الإخوان! كما تؤكد فى ميثاقها الجديد على أن الدين الإسلامى ضد جميع أشكال التطرف والتعصب الدينى والعرقى والطائفى، وتقول إن حماس تفهم الإسلام بشموله جوانب الحياة كافة وروحه الوسطية المعتدلة، وتؤكد بشكل واضح على أنها لا تعادى اليهود بسبب ديانتهم بل لاحتلالهم أرض فلسطين وعدائها مع المحتلين، فبدت الوثيقة بمثابة تحول فى فكر حماس السياسى من ناحية الانفتاح على العالم وتقديم قراءة ورؤية للصراع، فيها محاولة للاقتراب من الأبعاد الإنسانية والحقوقية للصراع مع إسرائيل، لأنها حددت دافع الصراع بأنه صراع بين الحق والباطل، وأن العداء ليس مع يهود العالم وليس دينياً، إنما العداء مع الحركة الصهيونية.
كان لافتاً فى بنود الوثيقة الـ42 البند 20 الذى يتحدث عن موافقتها على دولة على حدود 1967، وهو بمثابة رسالة تقول إن حماس تقبل مرحلياً بدولة على حدود 67 والقدس عاصمة لها، مع بقاء قضية اللاجئين قائمة، والتأكيد على رفض الاعتراف بشرعية دولة إسرائيل، فيما اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية إطاراً وطنياً للشعب الفلسطينى فى الداخل والخارج يجب المحافظة عليها والعمل على تطويرها وبنائها على أسس ديمقراطية! ربما حاولت حماس أن تقدم نموذجاً لحركة تحرر وطنى فلسطينى، لكن بمرجعية إسلامية فى ظل تصنيف الحركات الإسلامية بالإرهابية أو المتشددة والمتطرفة، فالوثيقة ستجعل حماس قادرة على التعاطى مع المتغيرات فى المنطقة وتنظيم علاقتها مع العالم الخارجى خاصة أنها جاءت فى مرحلة مهمة تعيد تشكيل خريطة العالم السياسية والجغرافية.
يقول المراقبون إن الوثيقة حملت فى بنودها أنصاف إجابات على مختلف القضايا وتركت الباب موارباً فى القضايا المفصلية، تركت حسم الإجابات عن قضايا جوهرية سواء من حيث علاقتها بالإخوان المسلمين أو منظمة التحرير الفلسطينية أو موقفها من الدولة وحدود 1967 أو المفاوضات أو المبادرة العربية، وبعد حسمها للإجابات فإن حماس وضعت نفسها على بداية الطريق للدخول فى العملية السياسية سواء من خلال التفاوض المباشر أو غير المباشر دون المساس بثوابتها أو الاضطرار للتنازل عن بعض منها بسبب الظروف الراهنة والضاغطة، مرحلة تكتيكية تختبرها حركة حماس فى مواجهة رياح معاكسة لتوجهاتها وثوابتها لتكسب أرض المعركة، فى الوقت الذى يستعيد فيه الرئيس عباس نفوذه وغداة لقائه بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ربما رأت فى هذه الوثيقة المعتدلة التى استغرقت صياغتها قرابة الأربع سنوات وبضغوط واضحة من تركيا وقطر كى تتخلى عن بعض مبادئها الثابتة تجاه إسرائيل، مساحة تتحرك بها لتثبت دوراً فاعلاً فى المعادلة السياسية داخلياً وخارجياً لتغيير الصورة الذهنية عنها، فالتغيرات التى حملتها الوثيقة تهدف لتحسين العلاقات مع مصر والسعودية والإمارات العربية وربما الدول الغربية التى تصنف حماس على أنها منظمة إرهابية، كما تستطيع من خلالها أن تحافظ على مكتسباتها التى رسختها على أرض الواقع بنفوذها وسيطرتها على قطاع غزة، وتضمن مشاركة فعالة بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعى الوحيد للفلسطينيين تحت عنوان الاعتدال والوسطية.