هذا الأسبوع أثير الجدل حول تعديل قانونى يتيح للأجانب الحصول على الإقامة فى مصر لخمس سنوات مقابل وديعة بنكية، ويتبع ذلك الحصول على الجنسية المصرية عبر التنازل عن تلك الوديعة.. كل ذلك فى سبيل الحصول على الباسبور المصرى، وهو باسبور أخضر اللون، مُجلد بعناية بطبقة من الجلد الصناعى الفاخر، ومكتوب عليه باللون الذهبى اللميع، مع رسمة كبيرة لنسر مهيب. كما يحتوى هذا الباسبور على 26 ورقة من النوع الثقيل، بها صورة الملك «توت عنخ آمون»، بذقن سليمة، كعلامة مائية.. وهو باسبور يحتل الرقم 78 عالمياً من حيث القوة، ويتيح لحامله تسهيلات تتمثل فى الدخول إلى عدد من البلدان بتأشيرة فور الوصول لمطاراتها، منها: 14 دولة أفريقية على شاكلة «الرأس الأخضر» و«جيبوتى». ودولة أوروبية واحدة هى «كوسوفا»، فضلاً عن دول آسيوية مثل «نيبال» و«كمبوديا»، وكذلك جزر «كوك» و«الميكرونيزيا» فى منطقة الأوقيانوسيا.. ولعل بعض الملاحظات على القانون المقترح قد تكون مهمة هنا:
1- برامج «الحصول على الجنسية مقابل الاستثمار» ليست عيباً أو عاراً ولكنها أمر نادر موجود فى عدد من بلدان العالم؛ منها من هى مشهورة ومتقدمة مثل «مالطا» عضوة الاتحاد الأوروبى (تطلب نحو مليون يورو)، و«النمسا» صاحبة رابع أقوى باسبور فى العالم (تطلب استثمارات من 3 إلى 10 ملايين يورو).. ومنها دول أخرى مجهرية مثل: «دومينيكا»، و«فانواتو»، و«اتحاد سانت كيتس نيفيس»، ومواطنو تلك الدول مسموح لهم بدخول منطقة «الشنجن» الأوروبية دون تأشيرات.. والبلدان السابقة تعطى الجنسية على الفور بعد نحو عام من الإجراءات. وتوجد دول أخرى تمنح جنسيتها بعد نحو خمس سنوات من الإقامة بشرط النجاح وتعمير مناطق نائية وتشغيل مواطنين (نماذج قبرص وأمريكا).
2- الاقتراح مكرر، قدمه قبل ذلك السيد نجيب ساويرس (عام 2015)، وبعدها بعام د. عبدالمنعم سعيد فى إحدى مقالاته البديعة، وكذلك رجل الأعمال «سامح صدقى»، نجل شقيق رئيس وزراء مصر الأسبق د. عاطف صدقى (عام 2016)، والأخير كان اقتراحه بتفاصيل واضحة.
3- تحتل مصر مركزاً متأخراً عالمياً على مؤشرات جودة المعيشة، والسعادة، والتعليم، والتقدم الاجتماعى، والتنمية البشرية وغيرها، فما هى ميزتنا التنافسية التى قد تدفع شخصاً ما ليصبح مصرياً؟
4- يقول رئيس الوزراء المصرى إن «استيفاء الاشتراطات الأمنية سيكون هو الشرط الأهم قبل منح الجنسية لأى أجنبى».. وطبعاً ننتظر أن تكون هذه الاشتراطات مُحكمة مثل تلك المتبعة فى التعيينات بالوظائف العامة، والتى تأتى لنا بأفضل النماذج!
5- هذا القانون فى مصر، ولضعف الرقابة، وغياب التنافسية قد يكون بوابة ذهبية لعمليات غسل ونقل الأموال، كما قد يُحول مصر إلى ملاذ للمطرودين من بلادهم.
6- عملياً سيكون فى مقدور أى أجنبى، إسرائيلى مثلاً، بعد حيازة الجنسية أن يشترى أراضى فى سيناء، التى لا يتم التعامل عليها بالبيع والشراء لغير المصريين.
7- تقديرى أن الفئة المستهدفة بهذا القانون هم اللاجئون السوريون الموجودون فى مصر (إن كنت محقاً فلا يجب أن يزيد المبلغ على 100 ألف دولار وإلا فلن يشارك أحد!).
8- البعض يرفض إعطاء الجنسية مقابل الاستثمار (ويسمونها بيع)، ولكنهم يقبلون منح الإقامة بمقابل مادى.. والطريف أن الإقامة من البديهى أن تستتبعها الجنسية بعد فترة بحكم القانون.
9- الموضوع عادى، لكن غير العادى هو عدم ملاءمته للحالة المصرية، وبالتالى فهو نشاذ وبلا منطق، وهذا يسمى عبثاً.