وجهان للعملة الأكثر رواجاً فى مصر حالياً، وجه الفساد ووجه الإرهاب. أقول ذلك على هامش مأساة استشهاد نقيبين وأمين شرطة فى ذروة شبابهم، بالإضافة إلى إصابة أربعة مجندين، جرّاء الهجوم الذى وقع على أحد الكمائن بمدينة نصر. حول الواقعة قال بيان الداخلية: «فى نحو الساعة 11.45 مساء أول مايو الحالى قامت عناصر مسلحة يستقلون سيارتين بالاقتراب من القول الأمنى المتحرك أثناء مروره بميدان محمد زكى بطريق الواحة بتقاطعه مع الطريق الدائرى دائرة قسم شرطة أول مدينة نصر، وإطلاق النيران على القوات التى بادلتهم إطلاق الأعيرة النارية». مصدر أمنى أكد أن الإرهابيين كانوا مدججين بالأسلحة الآلية ويستقلون سيارتين ملاكى.
ماذا تقول هذه المعلومات التى أفادتنا بها وزارة الداخلية؟ إنها تقول ببساطة إن مجموعة لا تقل عن ثمانية إرهابيين غير مرصودين من جانب الأجهزة الأمنية، دخل لهم سلاح آلى متنوع ومتعدد، وكانت لديهم معلومات مسبقة عن حركة الكمين، ومعلومة شبه مؤكدة عن وصوله إلى مكان تنفيذ العملية فى توقيت محدد، وأنهم نفذوا العملية فى أحد الميادين الكبرى بالقاهرة قبل انتصاف ليلها. ثمة مجموعة من الأسئلة المشروعة: أين كانت الأجهزة والمجموعة الإرهابية التى نفذت العملية تخطط لها وتتحرك للحصول على أدوات تنفيذها، وكيف دخل هذا الكم من الأسلحة الآلية إلى مصر، وكيف تجوّل من حملوه إلى المجموعة حتى وصلوا به إلى القاهرة ليسلموه إلى منفذى العملية، وكيف تمكّن الإرهابيون من الحصول على معلومات دقيقة حول موقع وتوقيت تحرك الكمين؟!
كلمة واحدة يمكن أن تجيبك عن هذه الأسئلة دفعة واحدة، إنها ببساطة «الفساد». إذا تحدثت عن الإهمال فأنت تتحدث عن فساد، وإذا قلت إن هناك من يقبض من أجل تقديم معلومات لكى يضع أبناءنا تحت سكين الإرهاب فأنت تتحدث عن فساد. إذا توقفت أمام قيام الإرهابيين بقتل من استشهد وإصابة من أصيب والفرار من موقع العملية فأنت تتحدث عن قصور أداء وهو وجه آخر من أوجه الفساد. العلاقة بين الفساد والإرهاب علاقة أساسية وجوهرية، فكلاهما يغذى الآخر. هل تذكر قضية فساد القمح؟ استرجع تفاصيلها وسوف تجد أن الأصل واحد. قضية فساد القمح عبّرت عن إهمال من جانب البعض، وتواطؤ من جانب البعض مقابل الحصول على ثمن معلوم، وتقصير فى الأداء من جانب آخرين. كل المشاكل التى تواجهنا كدولة ومجتمع، بداية من اللحوم التالفة وحتى الإرهاب، لها أصل واحد تجده فى الفساد.
الدولة المصرية تريد القضاء على الإرهاب، لكنها تهمل معركة أولية لا بد من خوضها إذا كنا نريد القضاء عليه، هى معركة مواجهة الفساد. نعم هناك جهود تُبذل، لكنها لا تشكل سوى قطرة فى بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض. الفساد يعشش فى كل ركن من أركان حياتنا، وهو يحتاج إلى مواجهة حاسمة، لأن النجاح فى هذه المعركة سيخدم المعركة التى تخوضها الدولة ضد الإرهاب. وحقيقة الأمر فإن المسئولين لدينا كسالى بشكل مخجل على هذا المستوى. واستمرار هذا الوضع يعنى أن خفافيش الإرهاب ستجد مناخاً مواتياً يساعدها على المكوث طويلاً فى ربوع حياتنا.. من يملك العملة يمسك بالوجهين!