شهدت الشهور الستة الماضية أخطاء إعلامية بالجملة فى المتابعات الصحفية والتليفزيونية للحوادث الإرهابية التى قام بها أفراد من القتلة المرتزقة المنتمين إلى جهة معلومة.. والغريب أن ذات الأخطاء تتكرر فى متابعة كل حادث إرهابى وكأننا أمام إعلاميين يمتازون بجهل مدقع أو إهمال مزمن أو تعمد مفضوح، وجميعها بلا عقاب علنى حتى الآن.
ومع كل خطأ منا ينشط بسرعة إعلام الإرهابيين فتنتشر الشائعات وتفبرك الصور والفيديوهات والأخبار الملونة الكاذبة ويتوتر الجمهور من القراء والمشاهدين وتنطلق التخمينات فى شكل آراء وتحليلات وافتكاسات تبنى على الوهم وتصل لنتائج غير واقعية أو علمية.. والمحصلة للرأى العام سلبية حيث تتوه الحقائق أمام طوفان الأكاذيب وتملأ الصور المحزنة الدموية العقول والعيون فتحجب الجهود المبذولة فى مكافحة الإرهاب وتضخم من تأثير الإرهابيين والحدث الإرهابى ذاته وتنشر الخوف والإحباط لدى الناس.. ولا أعرف ماذا فعلت الجهات المعنية برصد توجهات الرأى العام تجاه ظاهرة الأخطاء الإعلامية فى متابعة حوادث الإرهاب طوال السنوات الخمس الماضية فلم نر تقريراً رسمياً واحداً حول الظاهرة التى يشكو منها الجميع.. وبصفة عامة فإن أبرز الأخطاء الإعلامية تتمثل فى:
1- المسارعة بالنشر للأخبار والصور والمعلومات بحجة السبق دون التأكد من المعلومة أو الرجوع للمصادر المعنية الموثوق فيها.. ويبرر الخطأ بتأخر القائمين على الإعلام الأمنى والمسئولين التنفيذيين فى إصدار بيانات رسمية حول الحادث، وهو عذر أقبح من ذنب، خاصة فى حالة الطوارئ والحرب ضد الإرهاب.
2- نقل الأخبار والصور والمعلومات من مواقع شبكات التواصل والمواقع الإخبارية دون الإشارة للمصدر، فيبدو الخبر خاصاً لمن نشره.. ويتحول الخبر المنقول إلى مادة خصبة للشائعات وتضارب فى أعداد الضحايا من القتلى والمصابين وتضارب فى مواقع التفجير وشكله وسببه مما يحدث بلبلة عنيفة لدى الجمهور.
3- نشر بيانات وصور صادرة عن منظمات إرهابية بمسئوليتها عن العمل الإرهابى البشع قبل أن يثبت ذلك من خلال تحقيقات قضائية موثوق فيها والأغرب نشر معلومات عنها وأهدافها وقياداتها وعملياتها وهو ما يروج لهؤلاء القتلة ويضخم من أفعالهم وكأننا أبواق دعائية مجانية للقتلة الإرهابيين وكأننا نساعد إعلام الدواعش القتلة أعداء الدولة والإنسانية.
4- معالجات إخبارية تليفزيونية عشوائية حيث الاستعانة بمذيعين بلا هوية ومصادر غير مؤهلة أو لا تعرف الموضوع فتلجأ للانفعال والسب والقذف والعنف اللفظى وإضافة تخمينات ذاتية دون تمحيص للحقائق وهو ما يضخم الحدث المحدود جغرافياً وكمياً ويجعل الجمهور فى أتون معركة كسبها الإرهاب، خاصة مع نشر صور الجثث والجرحى وحجم الدمار الناتج عن التفجيرات.. وتغيب دائماً المصادر المؤهلة الواعية والتحليلات والتقارير الدقيقة التى تحرص على الصالح العام وعدم البلبلة والحفاظ على تقوية الاصطفاف الشعبى فى ظروف صعبة.
5- الإصرار من غالبية الإعلاميين على الخطأ والتعالى على وعى الجمهور.. والجهل بأساليب الحشد الإعلامى المنظم ضد الإرهاب ولحماية الأمن القومى مما يؤدى بالرسالة الإعلامية إلى نشر آثار معنوية سلبية من الخوف أو الرعب أو توجيه الاتهامات والنقد القاسى لجهود الشرطة والجيش فى مواجهة معركة مصيرية دموية مع الإرهاب.
والعجيب أن كل القيادات الصحفية والإعلامية يعرفون هذه الحقائق وخطرها.. ولا يصححون الخطأ.. وفى كل مرة نكتشف أن ما قدمه الإعلام هو أخطاء وأكاذيب، وببجاحة يدافع المخطئون عن أنفسهم ونادراً ما يكذبون ما تورطوا فيه من أكاذيب.. وهو عكس ما تنص عليه القوانين ومواثيق الشرف والالتزامات المهنية للصحفى والإعلامى فى كل الدنيا.. وصحفيو مصر فى طليعة من سنّوا هذه القوانين والقيم المهنية والأخلاقية التى تلزم كل صحفى وإعلامى بالتدقيق فى البحث عن صحيح المعلومات من مصادرها المعنية قبل النشر.. وضرورة المبادرة بالتصحيح والاعتذار عما ينشر خطأ.. وقياس الأثر بالسلب أو بالإيجاب للنشر قياساً على المصلحة العامة للوطن والمواطنين قبل النشر للموضوع.
اتقوا الله يا سادة فى الصورة الإعلامية لمصر أمام العالم، واتقوا الله فى شعب مصر، الذى تكبله أخطاء الإعلام عن محاربة الإرهاب كما ينبغى.. وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.. ولنا الله.. والله غالب على أمره.