المشايخ المؤدلجون: هم الذين استخدموا منابرهم فى كل استحقاق ديمقراطى لتوجيه الناخبين باسم الدين لخدمة فصيل معين، وهى فتاوى يريد صاحبها اكتساح المشهد السياسى ولو شعبيا، دون ميزة له إلا اللعب على وتر الدين، ومشكلة هذه الفتاوى أنها تمثل مصادرة للعمل الإسلامى فى مساراته المختلفة لصالح مسار واحد، ربما كان أضعفها وأقلها أهمية، وهو المسار السياسى، والأرقام تثبت أن تأثير المشايخ بدا قويا فى استفتاء مارس، وفى الانتخابات البرلمانية، وانخفض فى انتخابات الرئاسة.[Quote_1]
لقد أجمع المشايخ عدا علماء الأزهر الشريف على تجريم وتحريم التصويت لشفيق ووجوب التصويت لمرسى، وحشد المشايخ المؤدلجون قوتهم فى فتاوى وُزعت بالملايين باسم المشايخ، القرضاوى وحسان والحوينى وحجازى وبرهامى، فضلا عن المساجد، وسبع فضائيات، وهيئات مختلفة كالدعوة السلفية، والجمعية الشرعية وغيرها.
ومع ذلك وجدنا أكثر من 10 ملايين ضربوا عرض الحائط بهذه الفتاوى، ولم يكن لهذه الفتاوى تأثير كبير على الدفع تجاه التصويت لمرسى، بدليل الفارق الطفيف بينه وبين شفيق، وبالتالى فقد المشايخ المؤدلجون قدرا غير قليل من اقتناع الناخب بهم، وهذه فى تقديرى بعض أسباب الظاهرة:
1- زيادة وعى الناخب من انتخابات إلى أخرى، أدى إلى تحرره شيئا ما من التأثر بالفتاوى الموجهة.
2- لم يستشعر الناخب فى (فتاوى التوجيه الانتخابى) ملمس الهدى المحمدى، ولا أحس أن هذه الفتاوى تخرج من مشكاة النبوة، بل رآها فتاوى تهجمية عنيفة أقرب إلى تشويه المنافس أكثر من قربها من السمت الربانى والمحمدى.
3- فشل تجربة استفتاء مارس، كشف للناخب أن المشايخ هم الذين خذلوه.
4- تجربة الناخب مع مجلس الشعب السابق لم تكن بالدرجة التى تناسب فتاوى أنهم الإسلام والشريعة، لقد كان سقف الفتاوى أعلى بكثير من حجم أداء المجلس.
5- حدث ما يمكن تسميته (مشايخ لزوم الانتخابات)، بمعنى أن المواطن لاحظ أن صلة المشايخ بالناخب فى مجال السياسة لا تظهر إلا فى فتاوى المواسم الانتخابية، وأما الفتاوى المرتبطة باستحقاقات الديمقراطية جملة كاحترام القضاء، ومحاربة ثقافة الضجيج والفوضى الخلاقة، والدعوة للتعاطى مع الآخر والمواطنة لم نسمع منها فتوى واحدة، فانتفاضة المشايخ وصلتهم بتوجيه المواطنين لا تظهر إلا من خلال مدخل واحد هو الانتخابات.
6- النقطة الخامسة تجرنا إلى بُعد آخر، حيث رأى الناخب طوفانا من المشايخ يوجهونه للصندوق، فلما استجاب وعمل على إنجاح من أرادوه، وأوصلهم لكراسيهم.. لم يتغير حاله، بل ازداد سوءا، فتوجه الناخب للمحرضين من المشايخ يشكو همه، فلم يجدهم، فأحس أنهم أدوا مهمتهم، ثم هربوا وتركوه وحيدا، فريسة للمشكلات المختلفة.
7- فقد الناخب (الشيخ المرجعية)، لأن المنتظر من المشايخ أن يقدموا شروطا عامة مثل الدعوة لاختيار الأمين والقوى، ثم يُترك للناخب إسقاط هذه الصفات على من يريد، وأما أن يعطيه الشيخ شروط الاختيار، ثم يقوم الشيخ نفسه بإسقاطها على تيار بعينه، فهذا اصطدم مع تطور ثقافة الناخب وقدرته على الاختيار.
وفى النهاية: تأثير هذه الفتاوى موجود، لكن بدأ تدريجيا فى الهبوط وهو شىء إيجابى، وكلما زادت ثقافة الناخب السياسية والدينية قل تأثير الشيخ المؤدلج عليه، وزاد احترامه لكل عالم يقف على الحياد.