وكأنها بشرى.. زف إلينا وزير المالية عمرو الجارحى خبراً يقول إن الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولى ستصل آخر يونيو المقبل. الدين أصبح إنجازاً، لا بأس «ظروفنا كده»، مؤكد أننا نحتاج القرض لأسباب عديدة، لكن الملاحظ أن الكثير من المسئولين يعبّرون عن التباهى والشعور بالمفخرة وهم يعلنون عن قُرب قدوم شرائحه، وبعد وصوله يخرج علينا مسئولو البنك المركزى، معلنين بمفخرة أعلى، عن ارتفاع الاحتياطى النقدى إلى «كذا مليار دولار». وفى الوقت الذى يرفرف فيه قلب المسئول من الفرح، وهو يعلن عن قُرب وصول، أو وصول، شريحة من القرض، يضع المواطن يده على قلبه، ويبدأ فى تحسّس جيبه، فالصندوق وضع -كما تعلم- مجموعة من الشروط التى ترجمتها الحكومة فى إطار ما أطلقت عليه «برنامج الإصلاح الاقتصادى»، فعومت الجنيه، وخفّضت الدعم، ورفعت أسعار فواتير الخدمات، بالإضافة إلى إجراءات أخرى عديدة ذبحت المواطن، وجعلت رأسه يلف إلى حد أننا «صعبنا عَ الأجانب». لعلّك تذكر النصيحة التى وجهتها كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولى، إلى الحكومة المصرية -منذ أسبوعين- بضرورة اتخاذ إجراءات للتعامل مع موجة التضخم العاتية التى ضربت الأسواق فى مصر، وقالت ما نصه: «إنه يتوجب على مصر اتخاذ مزيد من الإجراءات لمعالجة مشكلة التضخم. وأعتقد أن محافظ البنك المركزى ووزير المالية فى مصر على حدٍّ سواء، يدركان ضرورة معالجة مخاطر التضخّم التى تؤثر على السكان». «لاجارد» صعب عليها حال المصريين، فنبهت الحكومة إلى التدخّل من أجل السيطرة على الأسعار!. والسؤال: هل رثت الحكومة هى الأخرى لحال المواطن؟. الإجابة تجدها عند وزير المالية الذى ذكر وهو يزف إلينا خبر الشريحة الثانية من القرض، أن الحكومة أوشكت على الانتهاء من حزمة متكاملة للحماية الاجتماعية سيتم الإعلان عنها خلال أسبوعين. مدة الأسبوعين تعنى انتهاء شهر مايو وقدوم شهر يونيو، وهو الشهر الذى سنحصل فيه على الشريحة الثانية من القرض، كما أعلن وزير المالية. ويعنى ذلك أن الحكومة تفكر فى حل تقدمه للسيدة «لاجارد» التى صعب عليها حال المصريين الذين ألهب سوط الغلاء ظهورهم، وسوف تعلنه خلال أسبوعين من الآن.
لكن لماذا لم تعلن الحكومة ولو خطوطاً عامة لهذه الإجراءات من الآن، وأمهلت نفسها مدة أسبوعين؟ التجربة تقول إن الحكومة عندما تؤدى على هذا النحو، فعليك ألا تتوقع منها جديداً. فقد وُعد الشعب عدة مرات بخفض الأسعار، أو ضبطها فى أقل تقدير، لكن ذلك لم يحدث، بل لقد أصبح حبل الأسعار على الجرار منذ أن اتخذت الحكومة قرارها بتعويم الجنيه، لذلك من الصعب أن نتوقع جديداً على مستوى ملف خفض التضخم وضبط الأسعار، كل ما هو متوقع فى هذا السياق أن تسمع أحاديث عن زيادة 3 جنيهات فى الحصة التموينية، وزيادة الميزانية المخصّصة لبرنامج تكافل وكرامة، وغير ذلك من إجراءات حفّظتها لنا الحكومة عبر الشهور الماضية. والسؤال هل ستقنع هذه الإجراءات المسئولين داخل الصندوق، ويُقدّرون أنها تصب فى اتجاه تخفيف حدّة التضخم فيعطوننا الشريحة الثانية من القرض أم لا؟!. المرجح أن يمنحونا الشريحة مع عدم حرماننا من «الصعبانيّات»!.