خلال المؤتمر الذى عقدته جامعة القاهرة بالتنسيق مع مؤسسة «أخبار اليوم» عن «رؤية لمستقبل التعليم فى مصر»، منذ يومين، قال وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى الدكتور طارق شوقى إن ترتيبنا فى مستويات التعليم متأخر جداً، وخرجنا من التصنيفات العالمية خلال الفترة الأخيرة، ومنتجنا لا يرضينا ولا يرتقى لسوق العمل. ولا أظن أن الكلام شكّل صدمة أو مفاجأة بالنسبة للكثيرين، فأى مواطن يعلم المأساة التى يعيشها التعليم فى مصر، لكن ليس ذلك هو الكلام الذى يتوقع أن يسمعه من الوزير. المشكلات التى يعلمها المواطن بالضرورة يجب ألا يضيع الوزير جهده فى توصيفها أو شرحها، لأن ما ينتظره المواطن هو أن يسمع منه حلاً لها.
الإحساس بالمشكلة مطلوب، لكن الأهم منه تشخيص أسبابها بصورة واضحة ووضع خطط عملية للتعامل معها. لا أجدنى بحاجة إلى شرح هذه الأمور للدكتور «شوقى»، لأن المؤكد أنه يعلمها بالضرورة، ولست أنكر أننى كنت من المتفائلين بأن يتولى أمر التعليم فى مصر وزير يمتلك رؤية لمشكلات التعليم ومسارات حلها، مثلما هو حال الوزير طارق شوقى، لكن معالم هذه الرؤية لم تتضح خلال الفترة الماضية. سمعنا منه -للإنصاف- بعض الأفكار المتعلقة بتطوير التعليم، مثل إيجاد نظام جديد لـ«تعليم دون ثانوية عامة»، عابتها «النظرة المؤجلة». فقد ذكر الوزير وهو يتحدث عن هذا النظام أنه سيطبّق على الملتحقين بالتعليم الأساسى فى سبتمبر 2017، وهى أول دفعة لن يطبّق عليها نظام الثانوية العامة، بحيث يكتمل بعد 12 عاماً، أى بعد وصول أول دفعة للمرحلة الثانوية. والدكتور «شوقى» يعلم أن أنظمة عديدة سبق واستحدثها وزراء تعليم للثانوية العامة، وأعلنوا عن تطبيقها على الدفعات الجديدة من التلاميذ، ثم تم إلغاؤها بعد ذلك بمجرد خروج الوزير من الوزارة.
التجربة تقول إن الحلول المؤجلة حجر الأساس الذى تتراكم فوقه المشكلات التى يواجهها المجتمع المصرى، وتقديرى أننا لم نعد نملك «ترف تأجيل الإصلاح»، خصوصاً فى ما يتعلق بملف التعليم. تطوير التعليم يحتاج إلى قرارات عاجلة تشبه العمليات الجراحية التى يمكن أن توجع المجتمع، لكنها فى النهاية سوف تؤدى إلى الإصلاح الذى نحلم به جميعاً، نحن بحاجة إلى قرارات لتعديل نظم التقويم والامتحانات، وقرارات تتعلق بمواجهة الدروس الخصوصية، وقرارات تتعلق بالتعليم الفنى الذى تراجع كثيراً رغم أهميته وحيويته بالنسبة لمجتمع مثل مجتمعنا. ولست أشك فى أن القرارات من هذا النوع سوف تجابَه بغضب اجتماعى يخشاه الوزير، هذا أمر أفهمه جيداً، وأفهم معه أن الوزير يخشى دخول عش الدبابير، لكن لا بد مما ليس منه بد، إذا كنا نريد إصلاح التعليم بالفعل. على الوزير أن يمتلك قلباً شجاعاً وأن يدافع عما يؤمن به ويفعله فى الواقع، ما دام يبغى الإصلاح. المواطن المصرى ذكى ومجرب وابن حضارة، ومؤكد أنه لن يقف ضد أى قرارات تطويرية، حتى لو غضب منها أو على صاحبها لبعض الوقت، الشرط الوحيد الذى يدفع المصرى إلى استدعاء مخزون ذكائه وتجربته وميراثه الحضارى أن يشعر، ولو بقدر قليل من التحسن. هذا الشعور هو الذى يدفعه إلى الرهانات التفاؤلية على المستقبل وتحمل معاناة الحاضر.