(١) يتكون التنظيم الدولى لجماعة الإخوان من مجلس شورى عام (٣٣ عضواً) تمثل فيه التنظيمات الإخوانية الموجودة فى الدول المختلفة بعضو أو عضوين أو حتى ٨ أعضاء كما هو الحال بالنسبة لمصر.. وينبثق من هذا المجلس مكتب إرشاد عام (١٣ عضواً) تمثل فيه مصر بـ٨ أعضاء، على اعتبار أنها بلد المرشد.. ويختار مكتب الإرشاد العام أفراداً من الإخوان من ذوى الطاقات والكفاءات لتكوين ما يعرف بالأجهزة؛ السياسى، ونشر الدعوة، الأخوات، الطلاب، والأسر والتربية..إلخ، وهذه يناظرها ما يعرف بالأقسام على مستوى التنظيمات الإخوانية فى الدول المختلفة.. ويعمل كل تنظيم إخوانى وفق ظروفه والبيئة التى تحيط به والتحديات التى تواجهه، من منطلق أن «أهل مكة أدرى بشعابها»، و«رب الدار أعلم بما فيه».. ومن ثم، فإن أى تنظيم إخوانى هو صاحب القرار النهائى فيما يخصه.. وتعتبر حركة حماس جزءاً من جماعة الإخوان، غير أنها تأخذ من الاهتمام ما لا تأخذه التنظيمات الإخوانية الأخرى، نظراً لخصوصية وطبيعة القضية الفلسطينية.
(٢) وعندما استطلع الأخوة فى حماس رأى قيادة الجماعة فى مصر حول انتخابات المجلس التشريعى التى كان مزمعاً إجراؤها فى ٢٥ يناير ٢٠٠٦، كان الرأى هو أن ينافسوا على ٣٠٪ فقط من المقاعد، حتى يشكلوا معارضة قوية داخل المجلس من ناحية، وكى لا يتحملوا مسئولية تشكيل حكومة هى مضطرة -بالضرورة- للتعامل المباشر مع العدو الصهيونى، وهو الأمر الذى يؤثر سلباً على موقف حماس كحركة مقاومة من ناحية أخرى.. والذى حدث أن تسربت معلومات إلى حماس -لا ندرى مدى صحتها ودقتها - مفادها أن الانتخابات التشريعية سوف يتم تزويرها بهدف إظهار حماس بأنها قوة ضعيفة وليس لها وجود فى الشارع على خلاف ما تزعم.. بلعت حماس الطعم وقفزت إلى الشَرك المنصوب لها، وما كان منها إلا أن قامت بترشيح رموزها الأقوياء من أمثال سعيد صيام ومحمود الزهار، وغيرهما، فضلاً عن أنها أوعزت لرجال فتح أنها سوف تلجأ لاستخدام السلاح حال ظهور أى بادرة تزوير.. فى تلك الآونة، كانت فتح فى أضعف حالاتها.. فالفساد تزكم رائحته الأنوف، كما أن العدو الصهيونى يمارس شتى صنوف العربدة والإجرام فى حق الشعب الفلسطينى، من إبادة وقتل وطرد وتشريد، وتوسع فى بناء المستوطنات.. ناهينا عن آلاف المعتقلين فى سجون الاحتلال.. وفى المقابل، كانت فتح عاجزة عن أن توقف شيئاً من ذلك، وثبت أن العدو الصهيونى يتلاعب بها فى مفاوضات عبثية لا تسمن ولا تغنى من جوع.. ومن هنا تطلع الشعب الفلسطينى إلى حماس كحركة مقاومة، فهى على الأقل توجه ضربات إلى العدو الصهيونى من خلال العمليات «الاستشهادية» التى كانت تقوم بها، والتى كانت تشفى عنده بعض الغليل.
(٣) وأجريت الانتخابات وحدث ما لم نكن نريده، وهو فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعى.. حاولت حماس التشاور مع فتح للتعاون فى تشكيل حكومة، لكن الأخيرة أبت وتمنعت.. أرادت أن تترك حماس تواجه قدرها ومصيرها ولو على حساب مصلحة الشعب الفلسطينى، حاضراً ومستقبلاً.. واضطرت حماس فى نهاية الأمر أن تشكل الحكومة.. ومنذ ذلك التاريخ بدأت المتاعب والمصاعب، سواء مع حركة فتح من ناحية، أو مع العدو الصهيونى والإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى من ناحية أخرى.. من ناحيتهما، فقدت الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى صوابهما.. توارت الديمقراطية، وبرزت ازدواجية المعايير بأجلى وأوضح صورها.. فقبل ذلك التاريخ بشهر ونصف، فاز الإخوان فى مصر بـ٨٨ مقعداً فى المجلس النيابى، عدا الـ٤٠ مقعداً التى تم تزويرها، بالرغم من أنهم لم يرشحوا سوى ١٦١ مرشحاً فقط.. وها هى حماس اليوم تفوز بأغلبية مقاعد المجلس التشريعى من خلال انتخابات غير مسبوقة لم تشهد لها الساحة الفلسطينية نظيراً.. بات واضحاً -إذن- أنه حال إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة فى الوطن العربى، فسوف يحصل التيار الإسلامى، خاصة الإخوان على أغلبية مقاعد المجلس النيابى، الأمر الذى تقف دونه الأنظمة الحاكمة، فضلاً عن المواجهة مع العدو الصهيونى..
(٤) أن مشكلة التيار الإسلامى أنه لا يقرأ الواقع المحلى ولا الإقليمى ولا حتى الدولى جيداً.. نحن نفهم مدى الضغوط التى تعانيها الشعوب على يد النظم الحاكمة، استبداداً وفساداً.. ونفهم أيضاً مدى الضغوط التى كانت تمارسها الشعوب ذاتها على التيار الإسلامى لتخليصها من معاناتها.. مع ذلك كله، كان على هذا التيار ألا يتعجل، وألا يتخذ خطوة قبل أن يكون مستعداً أو مهيأ لها، وإلا جر على الشعوب مآسى وكوارث لا طاقة له بها.. إن المتأمل للأحداث التى تلت فوز حماس وتشكيل الحكومة، واتفاق مكة (٦ - ٨ فبراير ٢٠٠٧) على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (رحمه الله)، وما تمخض عنه من إقامة حكومة وحدة وطنية، ثم المؤامرات التى أحاطت بحماس وانتهت بالمواجهة الدامية مع حركة فتح فى ١٤ يونيو ٢٠٠٧، والحصار الذى تعرض له -ولا يزال- أهل القطاع، والمجزرة التى قام بها العدو الصهيونى فى غزة فى الفترة من ١٧ ديسمبر ٢٠٠٨ إلى ١٨ يناير ٢٠٠٩، كل ذلك يؤكد ما انتهينا إليه.
(٥) ومثل التنظيمات الإخوانية فى الدول المختلفة، ليس لدى حركة حماس قدرة على التعايش مع الفصائل الفلسطينية الأخرى.. ثقافة التنوع والاختلاف غير موجودة، على الرغم من أن الأصل بين البشر هو الاختلاف، كما جاء فى قوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» (هود: ١١٨-١١٩).. إن الغرب لديه القدرة على الاختلاف وإثراء قيم التعايش، لذلك نهض وتقدم وصنع حضارة.. لقد استطاع أن يوظف الفضاء الموجود لديه فى تجميع القدرات والكفاءات وبنى بها قوة على المستوى العالمى.. أما العرب، فالفضاء عندهم طارد للقدرات والكفاءات، ومن ثم لم يحصدوا سوى التخلف...لذا، نقول سوف تظل وحدة الشعب والتراب الفلسطينى هى الأساس، وهى الخطوة الأولى فى الاتجاه الصحيح نحو تحرير الأرض وتطهير المقدسات، والإفراج عن الأسرى، وعودة اللاجئين.. وغير ذلك من محاولات هى فى الحقيقة قبض ريح وحرث فى بحر.. هى ليست مسئولية هذا الجيل فقط، لكنها مسئولية كل الأجيال.. وهى فى الوقت ذاته، مسئولية العرب والمسلمين، بل مسئولية الشعوب الحرة المحبة للعدل والسلام فى كل أنحاء العالم.. (وللحديث بقية إن شاء الله).