هل نحن فى مجتمع فاقد أهليته للتحضر، هناك مجموعة من المشاهد حدثت منذ 25 يناير 2011 تؤكد أن الإجابة نعم، أولها السماح للعنف والتخريب أثناء ثوره يناير، فلا أحد يملك قواه العقلية يقوم بذلك التخريب الذى ليس له علاقة بإسقاط نظام الحكم ولكنه الانفعال غير العاقل، المشهد الثانى هو امتلاك المجتمع ذاكرة الأسماك والعقل الغائب وهذه الأهلية المفقودة هى التى جعلت هذا الشعب يأتى بالإخوان ليحكموه، لم يكن قادراً على تقييم هذه الجماعة بشكل موضوعى، ولم يكن يتذكر كم المصائب التى أحدثوها على مدى 80 عاماً، وكانت نخبة المجتمع تدرك أنهم سرطان فى الجسد، ومع ذلك كان عدد كبير منهم من أكبر الداعمين للإخوان وكانت تبريراتهم انفعالية بلا حكمة، ونقل عن المشير طنطاوى عندما انتقد بأنه سلم مصر للإخوان بأن الشعب هو الذى جاء بهم، نحن فى مجتمع فاقد لأهلية تحضره لأنه غير مدرك متطلبات المرحلة التى يعيشها، وبالتالى ينجرف إلى مكائد تحاك له وللوطن وحوادث الفتنة الطائفية أمثلة بليغة والسفه فى الإنفاق وانعدام الحماس للعمل وكأننا لا ندرك أن النجاة الوحيدة لنا هى العمل ولنا فى العمل حياة، أما النخبة بعضها فاقد الأهلية بمعاركها الصغيرة والمريبة وانتهازيتها وضعفها وليس لديها رغبة حقيقية فى الإضافة أو التأثير، والحكومة فى كثير من الأحيان فاقدة الأهلية، فالأداء مرتبك وليس لديها خطط استباقية، ولهذا فالأحداث دائماً تسبقها، وهى دائماً رد فعل بينما التحضر مبادرة ورؤى وآليات تنفيذ مبدعة ودقيقة ونظام واتجاه عام، ولكن الحكومات المتتالية هى حكومات إطفاء الحرائق، وبالتالى فنحن مجتمع فاقد للأهلية فى التعليم وفى الصحة وفى الأخلاق وفى العمل، لسنا مؤهلين علمياً ولا أخلاقياً، وفاقدو الأهلية فى الإعلام، إذن كيف يعيش هذا المجتمع؟ ولماذا لم يدمر التدمير الكامل؟ المجتمع يعيش على لحظات اليقظة فى 25 يناىر لحظة يقظة. إسقاط الإخوان لحظة يقظة، المشكلة أن لحظات اليقظة هى لحظات عارضة لا تكون مساراً ولا تصنع اتجاهاً، إنما مجرد ومضات قادرة على الحماية، بالإضافة إلى المكون والعمق فى التاريخ مما يجعل المجتمع يعبر المراحل الصعبة بتراكم الخبرة وليس بالعمل، يقيناً فإن هذا المجتمع دائماً ما يجد مخارج تجعله عابراً للأزمات أو قادراً على تحملها، لكنه لا يبنى واقعاً جديداً بينما لا يصل إلى مستوى التدمير الكامل، والقوى الكبرى التى تشكل العالم تدرك هذا وبالتالى تبنى خططها تجاه مصر بناء على هذه النظرية، وهى أن مصر أكبر من أن تترك للغرق، ولكن لا بد أن تبقى أصغر حتى لا تصبح قوة كبرى، وكل مرحلة حدث فيها انتباه أو يقظة وبناء وقوة كان العالم يقدم لمصر ضربة موجعة، حدث هذا فى تجربة محمد على وتجربة عبدالناصر، محمد على استطاع تكوين جيش قوى وبناء زراعة وصناعة وتعليم، وبدأ فى صناعة قوة إقليمية وصلت إلى حدود الأناضول، وأنتج ثقافة وتعليماً وفكراً وصناعة وحرفاً متنوعة، فكان لا بد من ضرب تجربته، تجربة عبدالناصر تعرضت للضرب منذ 56، فالقوى العظمى لا تريد لمصر أن تعيش فى ظل مواردها، وهى تعلم أن لديها مكوناً حضارياً وثقافياً يسمح لها أن تكون قوة كبرى، فهى ليست محدثة ثروة، وإذا تحسن الوضع الاقتصادى ورفع عبء المعيشة عن الناس ستنطلق وتصدر ثورات سياسية وثقافية ونهضة وصناعة، وخطورة تجربة عبدالناصر بالنسبة للغرب أنها غيرت القارة الأفريقية والمنطقة العربية وقضت على الاستعمار الكلاسيكى بالكامل، وكاد يتشكل واقع جديد، وهذا لم ولن تنساه القوى الكبرى حتى الآن، وبدأت المنطقة بالحصول على مقدراتها، ولكن القوى العظمى أرادت ضرب هذه التجربة بمكائد داخلية وبالإيقاع بين الدول والحكومات، خاصة مصر والسعودية واستخدام دول عربية كمخالب قط ووجود حلف بغداد الذى كان بذرة مشروع الشرق الأوسط الكبير واستخدام حكام عملاء لفت عضد فكرة القومية العربية، ونفس السيناريو يتكرر الآن باستخدام قطر وغيرها، والتطور الجديد فى السيناريو الخارجى أن نظريات الحرب اختلفت، فجعلونا نحارب أنفسنا عن طريق عصابات داخلية ونزاعات طائفية وإرهاب يقومون بتمويله ثم محاربته، وهم يدركون أنهم سيصابون ببعض شظاياه، ومنذ دخول أمريكا إلى منطقة الشرق الأوسط عام 74 وهى لم تخرج، وأصبحت مقدرات المنطقة بالكامل فى يدها، فهى التى تحدد المصائر والمقادير وفى ظل هذا الوضع الخارجى المعقد لا بد أن يواجه المجتمع بمرآة الحقيقة، لابد أن تكون هناك مسارات للخروج مقنعة وواضحة يراها المجتمع بتفاصيلها ليدرك أن مصلحته فى سلوك هذا الطريق، فالانتباه واليقظة يغيران الواقع، فربما يكون جزء كبير من الصورة واضحاً للأغلبية ولكن الجزء الأهم الذى يجعل الناس على قناعة دون ملل هو الوضوح والمعرفة، والإجابة عن سؤال ماذا بعد؟ فالكثير منا لديه صبر ولكن مع كل ضغط يعلن هذا الصبر تململه وربما انهياره، كيف سيتغير الواقع؟ ومتى؟ وما العائد الذى سيعود على المواطن؟ إنها تفاصيل لا بد من الانتباه إليها وهى تفاصيل فارقة ولكن حالة الغيبوبة المسيطرة على المجتمع مع وجود رأى عام ليس على قدر من الدقة والعلم مع عدم وضوح رؤى المستقبل تجعلنا نسير فى طرق ضبابية، ولن نكتفى بالمؤامرات الخارجية التى لا تريد لنا أن نكون ما يليق بنا، بل إننا نتآمر على أنفسنا باستعذاب حالة فقدان الأهلية والانسياق إلى الانفعال وتسليم العقول إلى فتاوى فاقدة الصلاحية والمنطق والعلم وكأننا نعلن المجد للجهل، المجد للسفهاء، المجد للتدنى، المجد للفهلوة، المجد للبلطجة، المجد للارتباك، المجد للصغائر والتوافه، المجد لقيم استهلاكية، المجد لكل ما ينبغى له أن لا يكون ولا يدوم وإلا سيتوحش، وإذا وجد يستهجن ويتقزم ولكننا نعملق ما يجب أن يوأد.