«هات ولىّ أمرك».. عبارة لن تسمعها فقط فى المدرسة، وأنت طفل، بل سوف تسمعها وأنت «شحط» تبحث عن «بنت الحلال» التى ستقاسمك ما ادخرته من شقاك وعمرك فى صورة «شقة وسيارة».. «هات ولىّ أمرك» يوقع على «عقد الخطوبة»، لأن الزواج يحتاج إلى «ضامن»، ويبدو أنك بحاجة إلى «وصى» على تصرفاتك، لأنك عقدت النية، وقررت أن تخطب!.
«وصى» يوقع مع أهل العروسة «عقداً موثقاً»، ويثبت فيه مدة الخطوبة، وقيمة الشبكة والمهر، ويلتزم فيه بشرط جزائى يوقع على المتسبب فى فسخ الخطوبة.. أيوه «بنات الناس مش لعبة» واسأل سيادة النائبة «عبلة الهوارى»، عضو لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس النواب.
«النائبة» ليست مهتمة بالحرب الدائرة فى المجلس لخفض سن حضانة الأطفال فى حالة طلاق الأبوين، ولا مبدأ الاستضافة للأب، ولم تذهب مرة إلى «محكمة الأسرة» لتشاهد كم القضايا المتراكمة هناك، ولا النساء اللاتى يعجزن عن الإنفاق على أولادهن بسبب «تحايل» الأب على المحكمة للتهرب من نفقة الأولاد، ولا هى سعت لمادة قانونية تلزم الزوج بتحليل الـDNA لإثبات نسب الطفل فى حالة الزواج العرفى.. لم تر آلاف المشاكل التى أدت لزيادة نسبة العنوسة والطلاق وأطفال الشوارع، فقررت أن يذهب المجتمع بأكمله إلى المحكمة بسبب «عقد الخطوبة»!.
«الهوارى» تريد أن توثق «الوعد بالزواج»، أن تختم «كلمة الشرف» بخاتم النسر، أن تعتقل «الأعراف والتقاليد» فى «ورقة» تصلح للتقاضى والتنكيل بالطرف الآخر إذا تنصل من الزواج أو تقاعس عن إتمامه فى مدة «سنة» واحدة لا غير.. هكذا حددت المدة من تجربتها المحدودة، (كمستشار لرئيس المجلس القومى للمرأة)، وكأنها ستوفر للشباب الشقق والأثاث وحفل الزفاف «على نفقة الدولة»!!.
إنها «رفاهية مزعجة»، ومستفزة، أن تخاطب مجتمعاً نسبة العنوسة فيه تزيد على 10 ملايين شاب وفتاة، مجتمعاً ارتضى بزيجات معدومة التكافؤ، واضطر لتقنين الزواج العرفى، مجتمعاً يحاصر الشباب بالمخدرات والبطالة والإرهاب، يقبل بالتحرش والاغتصاب ويرفض الرومانسية والمشاعر البريئة.. فإذا قرر الشاب القفز على كل هذه الحواجز تطالبه بتوقيع «عقد خطوبة»!.
وكأن «هوارى» تبتدع ديناً جديداً، فتحول «الخطبة» إلى عقد، وكما تقول النائبة الدكتورة «آمنة نصير»، أستاذ العقيدة والفلسفة وعضو مجلس النواب، فإن (الشرع لا يقبل تقنين الخطوبة لأنها اتفاق عرفى بين الطرفين، ولا يصح تحويلها لعقد وإلا أصبحت زواجاً، مشيرة إلى أن الإلزام فى مثل هذه الأمور سيظلم فئات كثيرة قد تكون غير قادرة على تلبية ما سينص عليه القانون من تغريم أو عقوبة، ولأن الأصل فى تلك العلاقة هو التعارف وليس الإلزام).
كل ما يهم النائبة الموقرة هو وضع قواعد لفسخ الخطوبة وفرض عقوبات وتعويضات على الفاسخ، سواء كان الرجل أو المرأة، إذا ألحق الفسخ بأحدهما ضرراً، وتنظيم عملية استرجاع الشبكة والهدايا، وكلها عمليات معقدة جداً إذا لم تتم بالتراضى لن تحسمها حتى المحاكم.
أنا لا أفهم أصلاً فكرة «العقوبة» على الفاسخ.. أليست الخطبة لاكتشاف مزايا الطرف الآخر وعيوبه؟.. حتى الزواج يوقع فيه الرجل «الطلاق» منفرداً ولا توقع عليه عقوبة!.
الإسلام لم يرتب تعويضات وعقوبات على «الطلاق»، لأن الزواج علاقة إنسانية معقدة تختلط فيها المشاعر بالمصلحة بالإنجاب بالعلاقات الاجتماعية، وقد يكون الضرر المترتب على الطلاق نفسياً واجتماعياً وإنسانياً أكثر منه «مادياً».. ولا تستطيع أن تختزل تلك الأضرار فى النفقة، ومؤخر الصداق.
المتاهة التى جرتنا إليها النائبة «عبلة الهوارى» تؤكد أن «أجندة النساء» مرتبكة، وأن الأولويات المدرجة على جدول الأعمال هى الخضوع لمزيد من الضغوط بدلاً من تغيير الثقافة السائدة!.
كنت أريد من سيادة النائبة أن تحدثنا عن المناخ المعادى للمرأة، عن ثقافة الكراهية التى تطاردها بخطاب سلفى يحرم حتى وجودها، عن الفتاوى الشاذة التى تؤثم حتى أفكارها، عن قص شعر البنات فى المواصلات العامة عقاباً لهن على «السفور».. عن التمييز ضد المرأة فى بعض مجالات العمل، عن فرص التمكين من مراكز القيادة وصنع القرار.. لكنها كرست نفسها لحماية «سمعة العروس».. وفى مجتمع أشبه بسوق «الأخلاق الحميدة» السمعة سلعة رخيصة يمكن التعويض عنها بمبلغ تافه!.