ونأتى إلى عمق كتاب ديباكومار «فوبيا الإسلام وسياسة الإمبريالية» لنكتشف أن الحملة البربرية ضد المسلمين والإسلام تتصاعد مع تصاعد المصلحة الإمبريالية الأمريكية فى إشعال العدوان ضد دولة إسلامية بهدف تعزيز سيطرتها واستحواذها على مصادر الطاقة فيها. وقد تجاسر بعض الليبراليين من المثقفين فى أمريكا فهاجموا سياسة العداء للإسلام والموالاة المستمرة للمطامع الصهيونية، وصدرت كتب تتهم هذه السياسة بالمكارثية، فنجد كاتباً أمريكياً من اليمين المحافظ هو مارتن كريمر يصدر كتاباً بعنوان «الأبراج العاجية المقامة على رمال.. فشل دراسات الشرق الأوسط فى أمريكا» (2001) ليرد فيه عليهم ويقول «إن باحثى شئون الشرق الأوسط ليسوا أمريكيين لأنهم ينتقدون إسرائيل والسياسة الخارجية لأمريكا، إنهم ليسوا أمريكيين بالمعنى الصحيح للكلمة». ويقول جويل بنين، وهو باحث إسرائيلى/أمريكى فى دراسة بعنوان «المكارثية الأمريكية الجديدة»: إن هؤلاء المكارثيين الجدد لديهم علاقات سياسية وتأثير أقوى من اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة مناهضة التشهير [ربما تقصد هذه الرابطة التشهير بالسياسات الإسرائيلية العدوانية] ولجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية والتى تعبئها ضد العناصر التى تحارب «المكارثية الجديدة» [صـ249]. وبينما تحاول المؤلفة تعداد منشأ حالات التعصب وزرع الكراهية ضد المسلمين كأساس لتبرير العمل العسكرى ضد بلاد إسلامية محددة تقول كمثال: فى عام 2007 أعدت إدارة شرطة نيويورك وثيقة بعنوان «التحول إلى التطرف فى الغرب.. التهديد الداخلى المنشأ» زعمت فيه أن هناك أربع مراحل للتحول إلى التطرف، وهى: ما قبل التطرف، التحديد الذاتى للهوية، التلقين العقائدى، الجهاد. ووفقاً لهذا النموذج فإن تفاصيل هذه العناوين الأربعة تدرج جميع المسلمين الذكور من الشباب الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وأسر مهاجرة بأكملها، ضمن مرحلة ما قبل التحول» [صـ220]. ومن ثم فإن مجرد انتماء أى فرد إلى هذه الفئة يضعه على مسار إمكانية التحول إلى التطرف، ومن ثم فإنه يوضع تحت منظار الشك. وإذا قرر شخص من هؤلاء وهم مئات الألوف أن يطلق لحيته أو يتوقف عن التدخين مثلاً أو يرتدى ما يسمى بالملابس الإسلامية فإنه يكون قد اتخذ المسار السريع نحو ما يسميه هذا التقرير «الأيديولوجيا السلفية الجهادية» ومن ثم تحل عليه اللعنة لأنه سيكون كما يقول التقرير جاهزاً للتخطيط لهجوم إرهابى.
ويمضى الكتاب ليقدم نماذج تبدو مثيرة للقرف ومنها على سبيل المثال القبض على مواطن أمريكى ولد فى كوينز بنيويورك وكان القبض عام 2006 والتهمة تقديم الدعم للإرهابيين، وكانت جريمته أنه سمح لشخص يعرفه بأن يبقى لبعض الوقت فى شقته بلندن وهو رجل يسمى «جنيد بابار» وكانت تهمة «بابار» أنه يحوز مواد ستنقل إلى القاعدة.. فما هى هذه المواد؟ معاطف واقية من المطر وجوارب واقية من الماء. وبسبب هذه الجريمة فقد سُجن فهد هاشمى أربع سنوات. وقد عومل «فهد» كأنه إرهابى خطير جداً فلم يسمح له بالاتصال بأحد إلا محاميه أما والداه فكانا يقابلانه نادراً وتحت إجراءات صارمة، أما الصحف فكان لا يسمح له بالاطلاع إلا على قصاصات تختارها إدارة السجن بشرط أن يكون قد مضى على نشرها ثلاثون يوماً ولم يكن مسموحاً له بأن يخرج من الزنزانة إلا إلى قفص انفرادى. أما الخروج للهواء الطلق فممنوع. ثم بعد أربع سنوات من هذه المعاملة قُدم للمحاكمة وعُرض على محلفين مجهولى الهوية [لحمايتهم] ثم حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً بحجة أنه كان يخطط كى يحمى أعضاء القاعدة. أما صاحب كل هذه الملابس فقد قررت المحكمة الاكتفاء بما قضاه من حبس احتياطى وإخلاء سبيله على أساس أنه تعاون مع المحكمة واعترف على صاحب الشقة فهد هاشمى.
وبعد ذلك أرجو أن أستأذنكم فى سؤال: لماذا؟
والإجابة هى أن الساسة الأمريكيين يريدون دوماً إثارة الخوف والفزع لدى الرأى العام وتحت ستار هذا الخوف تفعل أمريكا ما تشاء مع الدول التى تريد تمزيقها أو استلاب ثرواتها تماماً كما فعلت مع عراق صدام حسين عندما أوهمت العالم بأدلة كاذبة وضمنتها فى شرائط فيديو خدعت بها الكثيرين ادعت أنها دليل على امتلاك العراق أسلحة نووية ثم هاجمت العراق تحت حماية هذه الأكذوبة وبعدها بسنوات خرج كولن باول ليعترف بأنه هو نفسه قد خُدع. ومؤخراً قامت أمريكا ترامب بإطلاق عشرات الصواريخ على قاعدة سورية بحجة غير موثقة ولم يتم أى تحقيق محايد بشأنها وهى أن حكومة سوريا استخدمت غازات سامة ضد خصومها. ونحن بالطبع ندين وبشدة أى استخدام لمثل هذه الأسلحة.. ولكن من أعطى ترامب الحق فى أن يقرر بنفسه ودون تحقيق جاد من جهة محايدة أو حتى غير محايدة أن يقرر بنفسه لنفسه حق ضرب هذا البلد فى تحدّ للقانون الدولى. وهكذا فإن على الشعب السورى المسكين أن يدفع من دمائه ثمن صراعات المصالح الأجنبية. وكالعادة فى كل مكان من العالم عندما تستخدم الإجراءات القانونية الجائرة فإنها تمتد لتستخدم ضد أى قوى معارضة. ونقرأ: «وسرعان ما أصبح الناشطون من أجل السلام وقادة القوى المناهضة للحروب الإمبريالية هم أيضاً هدفاً للمراقبة والاستجواب والقمع للآراء المخالفة تقليد دائم فى إطار حالة الذعر الدائمة»، فالكاتبة تشير إلى عمليات شيطنة أىّ قوى معارضة وتقول: «لقد شن مكتب التحقيقات الفيدرالى حملات لتتبع حركة اليسار الجديد لاسيما حركة القوة السوداء وعمل على اختراقهم وتهديدهم وتجريدهم من المصداقية عبر تقارير كاذبة وعملاء يخترقونها بما أدى إلى اعتقال كثيرين منهم بناءً على تقارير زائفة» [صـ203]. وأخيراً فإننى أعتذر لأننى اخترت عشوائياً بعض العبارات والمواقف. أما الكتاب فهو يستحق أن يقرأه المهتمون كاملاً فكل سطر فيه يستحق.. ويبقى الشكر خالصاً للمؤلفة وأيضاً المترجمة البارعة أمانى فهمى.. وللناشر (المركز القومى للترجمة).