أيام قليلة وتهل علينا المسلسلات الكريمة فى رمضان بتكلفة 2 مليار جنيه، ماذا تستفيد الدولة من هذه المسلسلات؟ للأسف الشديد لن تستفيد، بل تأثيرها السلبى كبير جداً لأنها تركز على الجانب السيئ فى المجتمع على العشوائيات والبلطجة والمخدرات والدعارة وتضخّمها فى حين يتم تصوير المشاهد الجميلة فى الخارج، فصنّاع الدراما يُروّجون للجمال والسياحة خارج مصر وللقبح والفقر داخلها حتى مدينة الإنتاج الإعلامى لا تستفيد من تورتة رمضان. 2 مليار جنيه معظمها أجور للفنانين، بعضهم يتقاضى 80 مليوناً، فهل يدفع عنها الضرائب؟ قولاً واحداً لا، لأنهم يأخذون أجورهم من تحت الطرابيزة، ويكتبون فى العقود الرسمية مبالغ زهيدة جداً، الـ80 مليوناً تتحول إلى 80 ألفاً، وهذا ما يُحاسب عليه الفنان والمؤلف والمخرج وكل العاملين فى هذا المجال، إن كانت لديهم بطاقة ضريبية أصلاً؟ الشهر الماضى حضرت حفلى زفاف غنى فيهما مطرب كبير مقابل مليون جنيه، تقاضاها فى شنطة بلاستيك بمنزله، ودون عقد أو إيصال تسلُّم، هذا ذكرنى بأحد أصدقائى الذى سافر إلى إيطاليا فى مهمة علمية ومعه 5 آلاف يورو، وقُبض عليه أثناء إيداعها فى أحد البنوك الإيطالية، ولم يُفرج عنه إلا بعد إثبات أن مصدرها القاهرة، لأنه ممنوع حمل المبالغ الكبيرة فى اليد، وتلك هى الحوكمة التى لن ينصلح حالنا من دونها.
وللأمانة ليست عقود الفنانين فقط التى يتم تزويرها للتهرّب من الضرائب، بل إن علية القوم يفعلون ذلك، فكبار الأطباء يحصلون على أجور عالية فى الفحوص والجراحات، ودون عقود رسمية أو إيصالات تسلم أو فواتير، كذلك كبار الإعلاميين والمحامين، حتى الكافيهات تقدم خدماتها للزبائن بأسعار مرتفعة جداً وتحصل على المرافق مدعمة، ولا تُسدّد ضرائب عادلة ولا تعطى أجوراً محترمة للعمال، أيضاً أصحاب العقارات يكتبون فى عقود البيع مبالغ زهيدة من القيمة الحقيقية، هروباً من الضرائب ورسوم المحاكم والشهر العقارى، بالإضافة إلى أن بعض رجال الأعمال يزورون الإقرارات، وكذلك الشركات الكبرى.
إذاً مين بيدفع الضرائب فى مصر؟ الغلابة فقط من الموظفين، لأن الحكومة تخصمها من المنبع، وكذلك المتعاملون معها اضطراراً، حيث تقوم بتحصيل حقوقها مقدماً.
ما الحل إذاً؟ الحل بسيط إذا كانت هناك إرادة حقيقية، مطلوب منظومة ضرائبية عادلة ومخفّضة حتى تُشجّع المواطنين على دفعها (الكيف أهم من الكم)، وإذا حدث تهرّب منها يكون العقاب قاسياً كما يحدث فى كل دول العالم وسمعنا كثيراً عن أحكام حبس لمشاهير، كان آخرهم «ميسى» أشهر لاعب فى العالم، 400 مليار حجم التهرب الضريبى فى مصر، وهذا المبلغ يتضاعف طالما أن الأموال فى أيدى الناس والمعاملات ليست من خلال البنوك حتى تحصل الدولة على حقوقها، ومع ذلك معظم الإيرادات حالياً من الجمارك والضرائب والرسوم، وكلما احتاجت الحكومة أموالاً «افتكست» نوعاً جديداً من الضرائب (يتحمّلها المواطن فى النهاية)، وهذا لا يبنى اقتصاداً، ولا يُحقّق تنمية، فالإنتاج هو الحل، ولن يأتى إلا من خلال الاستثمار، لذلك يجب أن تُغير الحكومة فكرها من الجباية إلى الاستثمار، لأنه قضية حياة أو موت، وهو يجلب الأموال من الخارج عكس الضرائب، وبالتالى هو الإضافة الحقيقية للناتج القومى، ويزيد أيضاً من حصيلة الضرائب.