كنت أعرف أن خطاب الرئيس محمد مرسى ليلة الأربعاء سينطوى على مغالطات مهينة لمعاناة الشعب المصرى، وكنت أعرف أنه سيلجأ إلى حيلة إخوانية معهودة تتلخص فى الإقرار ببعض الأخطاء والاعتذار عنها، ثم يسارع بالتنصل من هذه الأخطاء وتحميلها لطرف غائب مثل الدولة العميقة أو الفلول، وكنت أعرف قبل أن يبدأ الخطاب أنه سينطوى على إنشاء ممل معدوم القيمة فى الواقع، لكنه قد يترك شيئاً من التأثير العاطفى لدى قطاع محدد من الشعب، اعتاد أن يتعاطف مع أى شخص يستخدم آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول فى أحاديثه.
وكنت أعرف أن «الجماعة» التى كتبت خطاب «مرسى»، وقضت يومين كاملين فى تعديله بالحذف والإضافة، لن تتمكن أبداً من التخلص من نقيصة الكذب المقزز، وأن الرئيس سيردد الخطاب المكتوب دون أن ينزعج من الكذب الواضح فيه؛ فالجماعة تعتبر الكذب الذى يخدم مصلحتها أمراً مشروعاً وحلالاً، ولا يكاد يوجد إخوانى يتحرج من الكذب أو يخجل منه حتى لو انكشف بشكل كامل ومهين.
لكن ما لم أتوقعه أبداً أن يتدنى الرئيس مرسى فى خطابه إلى هذه الدرجة التى ينتهك فيها حرمات لم يحدث فى تاريخنا المعاصر أن عرفنا لها مثيلاً.. وأن يتجاوز الانتهاك أناساً على قيد الحياة اغتالهم «مرسى» معنوياً، ليصل إلى شخص رحل عن الدنيا هو المرحوم كمال الشاذلى، أمين التنظيم السابق فى الحزب الوطنى، فقد تقوّل عليه «مرسى» بما أعرف، ويعرف المئات مثلى، أنه غير صحيح جملة وتفصيلاً؛ حيث الثابت والمؤكد والموثق أن «مرسى» لم يكن يجرؤ أن يتحدث مع كمال الشاذلى بهذه الطريقة، كما أن الثابت أن كل قيادات الجماعة لم توجه طوال تاريخها كلمة نقد واحدة لكمال الشاذلى عندما كان فى قمة السلطة، وأن كل النقد الجسور والشجاع لهذا الرجل -رحمه الله- صدر أساساً عن كُتاب الرأى الليبراليين واليساريين، ولا أدعى بطولة هنا، عندما أقرر أننى كنت واحداً ممن انتقدوه مراراً وهو فى قمة السلطة، لكننى لم أنتقده بكلمة واحدة عندما أطاح به أحمد عز واحتل مكانه، تقديراً منى بأن الهجوم على شخص زالت عنه السلطة والهيبة ليس شجاعة، بالإضافة إلى أن النقد بعد زوال السلطة ينطوى فى أحيان كثيرة على نوع من الخسة والحقارة فى تصفية الحسابات.
إن ادعاء الدكتور مرسى فى خطابه بأنه كان يقول للمرحوم الشاذلى: «يا كمال بيه انتم حرامية وسرقتم فلوس كتير قوى.. خربتم البلد».. هو شىء من أفظع ما سمعت فى حياتى، خصوصاً أن كمال الشاذلى أصبح فى دار الحق بما له وما عليه، وأن حتى عتاة الإجرام يستنكفون التجرؤ على الموتى بمثل هذه الفظاعات، لكننا عشنا حتى رأينا «رجلاً» يعمل مندوباً لمكتب إرشاد جماعة الإخوان فى قصر الرئاسة، يتقوّل على سياسى راحل بكلام فظيع، ولا يجد هذا الرجل «الرئيس» أدنى حرج فى أن ينتهك حرمة الموت، وهو الذى عاش حياته كلها يزعم أنه ينتمى لجماعة تعمل على تطبيق شرع الله وأخلاق الإسلام!
هل تعلمون ماذا حدث لى عندما رأيت الرئيس الإخوانى بتاع الإسلام هو الحل ينتهك حرمة ميت؟ لقد تذكرت على الفور الشعار الذى رفعته بائعة خضار من الجيزة فى إحدى الوقفات الاحتجاجية ضد الإخوان.. كان الشعار يقول: «جوه النار يوم الميعاد.. تاجر الدين قبل القواد».