«ترامب» مازعلش حد. وقف أمام صورة للكعبة المشرفة دقائق ثلاث يُدقّق النظر ويتأمل المشهد المهيب الذى يُطوق فيه المسلمون البيت الحرام، ومن بعد وقف أمام حائط البراق فى القدس الشريف، وارتدى القبعة اليهودية الشهيرة، ووضع يده على الحائط متعبّداً، وسوف يكتمل المثلث بالزيارة التى يعتزم القيام بها إلى دولة الفاتيكان، ليثبت أنه على استعداد لمجاملة الجميع، مع الحرص أيضاً على التعبير عن قناعاته بصورة معلنة لا تحتمل اللبس أو التأويل. رجل ذكى يعرف كيف يدير أموره مع الشعوب، وكذا مع الزعماء. وهى زاوية تستحق المزيد من التأمل فى أداء الرجل.
الوقوف فى قلب الأماكن المقدّسة لدى الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) يشهد على أن الرجل يفهم كيف يخاطب الشعوب. لعلك لاحظت كيف احتفت مواقع ووسائل الإعلام العربى بتوقّفه لمدة ثلاث دقائق كاملة -حسبوها له بالدقيقة- أمام صورة الكعبة، خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية. اللقطة استلفتت انتباه الكثيرين، خصوصاً أن الرجل -ممثل سابق- عرف كيف يعكس بنظرة عينيه وانفعالات وجهه وحركة يديه حالة الانبهار التى ترقى إلى مستوى من الوجد، كان حريصاً على نقله إلى مشاهديه. إنه أداء لا يباريه إلا أداؤه أمام حائط البراق، حيث ظهر فى قمة الخشوع والخضوع لرب إسرائيل. ولك أن تتابع مشهداً ثالثاً من المتوقع أن يخرجه على أعلى مستوى عند زيارة الفاتيكان حتى يتمكن فى النهاية من إرضاء الجميع. بغضّ النظر عن أى موقف سياسى يتبنّاه البعض من الرجل، إلا أن علينا أن نُسجل قدراته «الشعبوية» البارزة التى مكنته من إقناع الناخب الأمريكى باختياره رئيساً لسنوات أربع. ومؤكد أن الأمريكان لم يختاروه من فراغ، فليسوا بالشعب الساذج، بل المؤكد أنهم أدركوا فيه قدرات معينة تتناغم مع أهداف يسعون إليها خلال السنوات المقبلة، يأتى على رأسها الإنعاش الاقتصادى.
قدرات «ترامب» لا تتوقف عند إجادة التعامل مع الشعوب، بل تمتد بالبداهة إلى التعامل مع الحكام. واقع الحال يقول إن زيارته إلى المملكة كانت ناجحة بكل المقاييس. جوهر النجاح هنا يتمثل فى شعور اجتاح كل من شارك فى هذه القمة من رؤساء وزعماء بالرضاء عن النفس. فالعاهل السعودى وولى عهده وولى ولى عهده، وكذا زعماء الخليج جميعاً خرجوا قريرى الأعين من النتائج التى حققتها الزيارة، وسعدوا بالبيان الذى صدر عنها، رغم حديثه عن تحالف استراتيجى شرق أوسطى (لست أدرى كيف؟)، وقوة احتياط قوامها 34 ألف جندى احتياط تعمل كظهير لمحاربة الإرهاب فى سوريا والعراق (مش عارف ليه مش 35 ألف؟)، مع عدم نسيان إدانة التهديدات الإيرانية بالطبع. المهم أن «ترامب» بعد أن أتم الصفقات التى استهدفها وحصد مليارات الدولارات التى قرّر الحصول عليها ليضخها فى الاقتصاد الأمريكى كان من الذكاء بأن يمنح كل من شاركه القمة شعوراً بالرضا، وأن أموره مقضية بإذن الواحد الأحد. لعل الرئيس «السيسى» هو الزعيم الوحيد الذى ذهب إلى المؤتمر بكلمة مرتّبة قوية هادفة كان من المهم أن يلقيها على آذان بعض الزعماء الذين شاركوا فى القمة، فى حين لا تتأخر دولهم عن دعم الإرهاب، وأنظمة أخرى تلعن الإرهاب نهاراً، ثم تؤوى عناصره ليلاً.. وكل قمة وأنتم طيبون!.