لشهر رمضان الكريم طبيعة خاصة لدينا تختلف عما يكون الشهر الكريم فى الدول الإسلامية.. إذ إننا دائماً نُفاجأ ببدايته كما ولو لم تكن هناك حسابات فلكية يمكن من خلالها تحديد بداية الشهر المبارك بعد 50 عاماً من الآن مثلاً، وهو ما يدفعنا دائماً إلى التكالب على شراء احتياجات «السحور» فى توقيت واحد فتصبح الشوارع وكأنه قد جرى «سفلتتها» بصاج السيارات! ولأن شهر رمضان هو شهر المغفرة والرحمة فإننا جميعاً نطمح فى أن يغفر لنا الله سبحانه وتعالى كل ما ارتكبناه من ذنوب طوال العام، وبخاصة فى حق «حكومتنا»، ولذا فإننى على يقين بأن معظمنا قد أمضى طوال ليلة أمس بدعاء:
اللهم سبحانك أنت الرحمن الرحيم الغفور.. فاغفر لنا خطايانا وسوء ظننا بكبار مسئولينا وأعضاء حكومتنا فنحن نطاردهم بمطالبنا السخيفة.. ونحملهم نتائج غضبنا لغياب أشياء -أقل ما توصف به بأنها «تافهة للغاية»- ومنها قلة الدخل أو عدمه..!! اللهم لا تحاسبنا على «عنادنا» مع أعضائها فنحن نحاصرهم بمتاعبنا.. ونقلق راحتهم بما نراه باطلاً حقاً لنا.. ونتهم سياسات البعض منهم بأنها فاسدة ولا نتركهم فى حالهم يستمتعون بمناصبهم ونفوذهم.. اللهم اغفر لنا إصرارنا على إزعاج حكومتنا بمطالبنا.. ولا تحاسبنا على «بجاحة» البعض منا.. وسامحنا على طمعنا.. فمنا من يطمع فى راتب تكفى مفرداته القليلة تكلفة الحد الأدنى من مستوى معيشة البشر لمدة عشرة أيام.. ومنا من يعتقد -ظلماً وزوراً- أن العلاج حق له إذا مرض لا قدر الله، وأن على الحكومة توفير الدواء بسعر يتناسب مع دخله إذا كان له أصلاً أى دخل..!! وفريق ثالث يصل فى «بجاحته» إلى الحد الذى يطالب الحكومة بتوفير سرير له بالمستشفى عندما يمرض، وتصل به الأمور إلى حد أنه لا يقبل إطلاقاً أن يشاركه مريضان أو ثلاثة فى سريره فى إحدى طرقات أى مستشفى عام أو أن تشاركه طعامه «القطط» التى تتجول بطرقات المستشفى بما فيها «وحدات العناية المركزة» إن كانت هناك عناية أساساً.. اللهم سبحانك أنت التواب الرحيم صاحب العفو والغفران فاعف عنا واغفر لنا وتقبل توبتنا فقد تبنا وأنبنا وأصبحنا نُكذب أنفسنا وما نراه بأعيننا ونصدق كل ما تقوله حكومتنا.. فقد نجحت فى فرض كامل السيطرة على الأسعار.. وتراجعت أسعار السلع الأساسية تماماً وتوافرت بالأسواق.. وأصبحت الوساطة والمحسوبية والبيروقراطية والروتين فى خبر كان، ولم يعد هناك أى مكان لفاسد أو مرتش.. وأصبحت المستشفيات العامة تنافس فنادق الخمسة نجوم، ولم يعد المريض مطالباً بإحضار أدوات تمريضه وعلاجه.. وباتت المواصلات مريحة والمرور ينساب بعد أن نجحت الأجهزة فى فرض قواعد المرور على الجميع دون استثناء.. وانتهت الدروس الخصوصية وتفككت إمبراطورية مدرسيها.. ونبتت أجنحة لرجال الأعمال بعد أن تحولوا جميعاً إلى «ملائكة». باختصار أصبح كل مواطن منا يعانى من «الترف»!! وأصبح كل ما يشغل باله هو كيف يتصرف فى فائض دخله وأمواله!! أصبحنا نصدق أن سياسات حكومتنا نجحت بالفعل فى إزاحة سحابة الاغتراب التى يشعر بها المواطن فى بلده.. وأن مسئوليها أصبحوا يتحملون هموم مصر التى نعرفها نحن ويعرفها المواطن، وليست مصر التى يعرفونها هم وحدهم وأنهم باتوا قادرين على الإنجاز.. وبالمبادرة بالحلول..!! ولن نصدق أبداً أنهم دوماً فى انتظار توجيهات الرئيس لأن يستردوا حقوق البلد من مغتصبيها أو شق ترعة.. أو رصف شارع.. أو علاج مريض.. أو إعادة طفلة إلى أهلها..!! تبنا وأصبحنا نصدق أن مرتباتنا قد باتت كافية تماماً وتفى باحتياجاتنا كلها وتفيض بعد أن كبلت سياسات حكومتنا «غول» الأسعار ونزعت أنيابه..!!..وتوقفنا عن الشكوى التى تلوكها ألسنتنا دائماً بسبب ارتفاع الأسعار وغيره من هذا اللغو والهراء، بعد أن طمأننا «طارئ عابر» محافظ البنك المركزى، بأن الأسعار قد عادت بالفعل إلى مستويات لم نكن نحلم بها بعد أن تحققت «نكتته» بأن المارد الأمريكى «الدولار» قد جرى تقزيمه أمام الجنيه.. فهو بالفعل «طارئ» على سياساتنا المالية «وعابر» بالصدفة لتاريخ البنك المركزى!! أصبحنا نصدق أننا ننعم ببيئة صحية تماماً توافرت بها زراعات لا تسبب أى أمراض.. ومياه للشرب تنطبق عليها صفات كتاب العلوم «لا لون ولا طعم ولا رائحة».!! ولن نصدق أن عشرات المئات من المواطنين البؤساء ينضمون يومياً إلى طابور مرضى السرطان والفشل الكلوى والكبدى بسبب مياه الشرب.. ولن نصدق ما تكشف عنه تلك التقارير المضللة من انهيار وتآكل شبكات مياه الشرب فى معظم المحافظات مما يعرضها للتلوث ونتحمل بعد ذلك ملايين الجنيهات فى العلاج! أعتقد أن الوقت قد حان لنريح حكومتنا من مشكلاتنا وسيصبح كل منا مواطناً صالحاً من وجهة نظرها.. وسنكتفى بدور المتلقى لكل ما تقوله الحكومة ولن نناقشه أبداً.. ولن نساوم على دور آخر غير دور «الكومبارس» الذى اختارته لنا الحكومة فى سيناريو تكتبه دوماً بصرف النظر عن قناعتنا به..!! فيا رب لا تحاسبنا على كل ما فات، فأنت تعلم ما فى نفوسنا جميعاً، أما عن الحكومة ومعاملتها لنا فلا تحملنا ما لا طاقة لنا به.. واعف عنا وارحمنا.. «منها»!!