كل عام وأنتم بخير، أهلّ علينا الشهر الكريم ببركاته وأجوائه الروحانية الجميلة وسهراته مع تلاوة ما يتيسر من كتاب الله، وعدنا لعاداتنا الطيبة الجميلة ووصل الرحم بالتقاء الأسر والآباء والأبناء والأحفاد بعد أن مزقت شهور العام وتكنولوجيا العصر كل أواصر الود والتآلف.
عدنا إلى شهر المحبة والبهجة حيث يظهر المصريون أفضل ما لديهم من روح التآلف والود والمحبة والعطف والإخاء والتسامح وكل الصفات الطيبة الجميلة التى تغيب عنا طول العام ونحن منشغلون بصراع أزمات الحياة ومشكلاتها اليومية المزعجة، لنستعيض عن كل هذه الأزمات باللقاءات الأسرية المبهجة والسعادة وقت اللقاء بعد غياب وانشغال.
هو شهر وحيد نعيشه بهدوء بال وراحة أعصاب، يسعى كل فرد للابتعاد عن المشكلات وانفلات الأعصاب قدر الإمكان لو تمكن بالقطع من الهروب من أزمات المرور والازدحام وتكدس الشارع بالسيارات.
لكننا أيضاً نعود لشهر التليفزيون وسط عشرات البرامج والمسلسلات لنتابع وننشغل بجانب منها، ونبدأ كما هى العادة فى التساؤل عن كل هذا الكم من عمليات الإنتاج ومئات الملايين التى تنفق على هذه الأعمال بينما نعيش أزماتنا الاقتصادية.
وكالعادة أيضاً سنبدى انزعاجنا ودهشتنا من عشرات إعلانات التبرعات لرعاية وكفالة يتيم أو لتوفير طعام للفقراء أو علاج للمحتاجين وخلافه من كل الأشكال التى تدفعنا للتساؤل عن مصير مليارات الجنيهات التى يتم جمعها كل عام، ولماذا لا نفكر فى وسيلة توفر استفادة أقوى وأهم من جمع هذه الأموال لإنفاقها فى عمليات تنموية تقلل من استمرار احتياجنا للدعوة إلى التبرع فى شهر رمضان من كل عام لتلبية احتياجات متفرقة ومتنوعة لا تنتهى.
ستستمر ابتساماتنا ذات المغزى ونحن نشاهد إعلانات مطالبة برعاية الفقراء والمساكين والمحتاجين والدموع تنهال من عيون البعض لتصطدم بجدار إعلانات أخرى لتسويق قصور وشاليهات فى مشاهد تثير الضحك فى أذهان المشاهدين عن هذا التناقض المروع الذى نعيشه فى سوق وعالم الإعلانات.
وبالقطع ستتواصل بعض السلوكيات السلبية من «المُغالين» حيث تقطع الطرق وتُغلق بعض الشوارع بالسرادقات وأسوار «الفراشة» لإقامة الصلاة وستنطلق الميكروفونات تزعج المرضى والمحتاجين للراحة والتلاميذ المنشغلين باستذكار دروسهم، وكأننا لا نستطيع الصلاة داخل المساجد وأن تقتصر ضوضاء الميكروفونات على داخلها لنرحم من يحتاج للرحمة من هذا الصخب المروع وتداخل الأصوات بين ميكروفونات عدة فى شارع واحد، حجم كل ميكروفون منها أكبر من مساحة الزاوية التى يربض بأعلاها.
وسط كل هذه الأجواء ستظل مآذن مساجد مصر متلألئة بأنوارها الجميلة الزاهية فى الشهر الكريم تعكس أجواء الفرحة بقدوم الشهر المبارك وتشع منها أضواء الوسطية والتسامح والاعتدال لتواجه أهل الشر وشياطين الإرهاب وتدعو للمحبة والغفران.
رمضان كريم