ما زلنا ككل عام نبحث عن إجابات للأسئلة التى يحتار فيها الكثيرون.. كيف كان الأوائل من المسلمين.. كيف حكموا وماذا قالوا وفعلوا.. ما زلنا نبحث كيف كانوا رعية وحكاماً.. ولكن الأمر هذا العام يختلف قليلاً.. لقد قررنا أن يكون الأمر هذا العام يخص مصر.. مصر وحدها..! أرض الكنانة.. مهد الديانات ومهبط الرسالات.. مصر الأرض التى حظيت بالإسلام فى زمن مبكر من تاريخه.. ومع ذلك لم تتخل عن مواطنيها من أصحاب الديانات الأخرى.. الأرض الأولى التى حققت مفاهيم المواطنة كما وصفت.. وبأخلاق الإسلام.. وليس بفتاوى ودعوات المتطرفين! .. ربما كنا أحوج ما نكون هذه الأيام تحديداً إلى أن ننظر إلى تاريخنا المصرى بصورة أكثر دقة.. لا أعنى ذلك التاريخ المكتوب فى تلك الكتب الدراسية الرتيبة.. ولا ذلك التاريخ الذى يذكر لنا من فعل ومتى.. وكيف حكم هذا الحاكم أو كيف تصرف ذلك المحكوم.. نحتاج أن نبحث فى تاريخ مختلف.. تاريخ مصرى خالص.. لا يحمل فى طياته كل ذلك التطرف الذى يحيط بنا من كل جانب.. تاريخ يحكى لنا كيف دخل الإسلام إلى مصر.. وماذا فعل المسلمون مع المصريين من أصحاب الديانات الأخرى؟ نحتاج أن نستوعب ما أوصى به الإسلام الأول من حسن المعاملة لأصحاب الأرض الأصليين.. وأصحاب الديانات الأخرى من أصحاب الكتاب.. وكيف تصرف المسلمون الأوائل فى ظل تلك الأحكام.. سنبحر معاً فى الأيام المقبلة خلال ذلك الشهر الفضيل لنرى كيف تعامل الفتح الإسلامى لمصر مع أقباطها.. ولنرى كيف كان كل حكامها من الصحابة والتابعين يقدرون مصر وأهلها.. ويحافظون على العلاقة السوية بينهم وبين حكامها الذين كانوا يقدمون إليها من الجزيرة العربية.. كيف كانوا يحرصون على حرية المصريين الدينية أقباطاً ويهوداً.. كيف كانوا يحفظون أموالهم وأعراضهم بل ودور عباداتهم.. كيف بدأت مصر تتحسس مفاهيم النسيج الوطنى الواحد.. فى الوقت الذى لم يعرف العالم كله بعد معنى للكلمة نفسها.. سوف نحكى معاً كيف استوعبت أرض مصر الإسلام فى بدايته.. وكيف تحولت أرض هذا الوادى الطيب إلى مهد لمعظم الفتوحات الإسلامية.. دون أن يغادرها أهلها من الأقباط.. ودون أن يخرج من بين المسلمين من يرهبهم أو يمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية.. سوف نحكى قصة وطن كان قدره أن يجمع كل الديانات على أرضه.. وكان قدرنا أن نحافظ عليه من دعاة التطرف منهم جميعاً.. لعلنا نتمكن من الوقوف صفاً واحداً ضد كل تهديدات التفرقة والفتنة التى تتناثر حولنا هذه الأيام.. سنرى خلال الأيام المقبلة ما يؤكد وحدة ذلك النسيج الذى لا يوجد مثله فى العالم كله.. ولو كره الكارهون..!
وكل عام وأنتم بخير