هل ثمة مساحة متاحة لمزيد من الحزن؟. ماذا يتبقى بعد قتل الأطفال؟. ماذا يمكن أن يهد القلب ويسقيه من كأس المرارة أكثر من نظرة فزع فى عينى طفل استشهد صديقه أو أخوه أو أمه أو أبوه الجالس إلى جواره ويشعر بأن الرصاصة أو القذيفة المقبلة سيكون محلها صدره المرتجف؟. ماذا يمكن أن يدمر الإحساس أكثر من مشاهد الأجساد التى عبثت بها يد الإجرام؟. الدماء تصرخ إلى الله سائلة: بأى ذنب قُتلت؟. كيف يمكن أن يكون المشهد بين المجموعة المجرمة الآثمة الباغية التى أعملت سلاحها فى الأجساد البريئة بعد أن فرغوا من مهمتهم القذرة؟. هل كبّروا وهللوا فرحين بالنصر المؤزر فى الغزوة التى انتصروا فيها على مجموعة من الأطفال والمصريين المسالمين؟. يا الله.. إن من بين المصابين فى العملية الإرهابية طفلاً عمره 9 شهور.. 9 شهور.. رأى فيه المجرمون عدواً لهم!.
العملية الإرهابية التى قام بها مجموعة من «الغيلان البشرية» ضد أوتوبيس الأطفال فى صحراء المنيا تقول أشياء كثيرة. الملوثون بدماء الأطفال الذين قاموا بالعملية ليسوا مجرد مجموعة من المجرمين الذى زاغ عقلهم واعتل فهمهم للإسلام. المسألة ليست مقصورة على ذلك، بل تتجاوزه إلى ما هو أبعد وأخطر، نحن أمام مجموعة مأجورة تم تخريب نفوسها وتعمير جيوبها، قبل أن تعمر خزائن أسلحتها بأدوات القتل. القاتل الأجير وحده هو القادر والمستعد لأن يلقى بوصلته الإنسانية فى أقرب مقلب قمامة، لأن نفسه خربة تتسكع فيها أباطيل الأبالسة. كيف يوجد بين المصريين هذا الصنف «المتغول» من البشر؟. مؤكد أنهم ليسوا منا، حتى ولو حملوا بطاقات هوية مصرية، هؤلاء عملاء لمن يدفع لهم، ومن يستغل بلادتهم كبشر من أجل تنفيذ العمليات القذرة التى لا يستطيع أن يصمد أمام مشاهدها إنسان طبيعى.
بالتزامن مع مولد النبى صلى الله عليه وسلم كانت مذبحة الكنيسة البطرسية، وبالتزامن مع منتصف شهر رجب واحتفالات عيد القيامة المجيد وقعت مذبحتا كنيسة طنطا والإسكندرية. وفى اليوم الذى يستطلع فيه المصريون هلال رمضان تهدر الدماء البريئة لأطفال فى عمر الزهور. البشاعة ليست فى مجرد استباحة الدم البرىء، ثمة وجه آخر للبشاعة يرتبط بتوقيت التنفيذ. لماذا يريد الإرهابيون أن يربط المصريون المسيحيون بين العمليات الخسيسة التى توجه إليهم واحتفالات إخوانهم المسلمين بمواسمهم وأعيادهم؟. نحن أمام مخطط كبير يستهدف من يقف وراءه هدفاً جللاً يريد أن يهد به كيان هذه الدولة. أعلم أن لحمتنا الوطنية بخير، وأن المصريين جميعاً يعلمون أن هناك من يريد الإيقاع بينهم، لكن النفوس إذا كَلّت مَلّت. دعنى أكرر «النفوس إذا كَلّت مَلّت». لا بد من حل لهذه المشكلة. كلنا يفهم أن الإرهاب يستطيع أن يضرب فى أى وقت وفى أى مكان. التجربة العالمية تؤكد ذلك، لكن لا بد أن تتكثف الجهود من أجل إيقاف نزيف الدم لمواطنين مصريين يقتلون على الهوية. نحن نريد إجراءات حقيقية للمواجهة على الأرض، تؤدى إلى محاصرة هذا الخطر الداهم الذى يهدد مجتمعنا. كثرت الأحزان.. وكثرة الحزن تعلم أشياء أخرى كثيرة غير البكاء!.