فى البدء خلق الله الإنسان، غار إبليس من المخلوق الجديد، فعاداه وتوعده بالحرب، وبأنه لن يتركه يهنأ برضا الله، وطلب من الخالق طلبه الأخير، بأن يمهله إلى يوم يبعثون (آدم وذريته) وطلب أيضاً أن يسرى منا سريان الدماء فى العروق، أعطاه الله ما سأل، لكنه تعالى استثنى من هذا السريان (عباده المخلصين)، لكن من هم المخلصون؟!!
المخلصون هم من يخلصون نياتهم لله، هم من يخلصون عبادتهم لله، المخلصون هم من يخلصون الأفكار والأعمال لله ولخير هذا الكون!!
الكون الذين خُلقوا خصيصاً لإعماره بعد عبادة الله، والانتصار على شر إبليس، وتحديه لأمر خلق آدم.
آدم المسكين، الذى حسده الشرير على حب الله له، فقد خلق الله سبحانه (آدم) بمحبة كبيرة، وبصورة جميلة وعلّمه ما لم يعلّمه لباقى خلقه وصنع له معجزته الأكبر (العقل)!!!
العقل ذاك الداء والدواء، بالعقل صعد (بنو آدم) للقمر واخترعوا الكهرباء وبالعقل صنعوا القنبلة الذرية وأبادوا البشرية وحاربوا أنفسهم وقتلوا بعضهم بعضاً.
صَدّقَ آدم إبليس وأكل من شجرة الخلد، فطُرد من الجنة، ثم تاب وغفر له ربه، لكن إبليس لم يتركه، فغوى ابنه قابيل لقتل أخيه هابيل، ليراق الدم البشرى لأول مرة، وتحول الإعمار الذى خُلق لأجله آدم إلى مشهد من الظلم والحزن والخطيئة والندم.
ندم قابيل، وتعلّمه عملية دفن أخيه من غراب لم يكن كافياً ليعقل كم ضره الشيطان، بل استمر فى الخطيئة والمعصية، حتى لم يعد للندم مكان بقلبه، كون صداقة مع إبليس، علمه بها كيف يعصى وكيف يتجبر وكيف يقتل ويدمر ويكفر ولا يخشى لله وَقَارا.
وقار الله ورحمته لم يتركا الإنسان فريسة مكر الشيطان وشِرْكِه فبعث رسلاً وأنبياء واحداً تلو الآخر يدعون لذات المبادئ (عبادة الله الواحد الأحد، وتحريم القتل، والسرقة، والزنى والإفساد فى الأرض بجميع أشكاله. كلما عاد بنو الإنسان إلى ربهم واتبعوا رسل الهداية، عاد الشيطان يغويهم، فيتبعه الضالون، أما عباد الله المخلصون فلا سلطان لإبليس عليهم ولا مُعين، فهم جند الله المؤمنين.
المؤمنون هم من آمنوا بالله على مر العصور والأزمان، ربما يختلف اسم الرسول أو النبى الذى اتبعوه، ربما اختلفت طريقة صلاتهم، ربما اختلف اسم عقيدتهم وتفاصيل وطقوس أدائها، لكنهم مؤمنون يعلون اسم الله ويهزمون الشيطان بإيمانهم، يؤمنون أن هذا الكون للإعمار والرحمة والمحبة والسلام ولنشر الخير وإعانة الضعيف، يؤمنون أن نفعهم لبعضهم بعضاً واجب وعبادة وأن الدم حرام وكل الحرام حرام.
الحرام يلبسه الشيطان زياً آخر ويزينه بعين الإنسان، إبليس لا يمل من إضلال الإنسان، فلا يذهب للحانات ولا للعصابات، بل يخترق صفوف المصلين العابدين، يقنعهم بأنهم وحدهم الهادون المهديون، وأن غيرهم كفار ملحدون ضالون وجب قتالهم فى كل وقت وكل حين، ويغالى فى زرع العداوة ونبذ الآخر، حتى يريق دمه، فى كل العصور والأزمان وباختلاف دُعاة ومدّعى الإيمان، حدث الشىء ذاته، رفض الآخر ومعاقبته والتأله على الله كذباً وافتراءً.
افتراء وتعصب يخرجهم من حضن الإيمان ويلقيهم بين أذرع الشيطان، يحرمون ويحللون ويؤولون آيات الله على أهوائهم، وإن ناقشتهم قالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا الأولين، حاشا لله أن يأمر سبحانه بالفساد فى الأرض وقتل النفس التى حرم إلا بالحق.
يا حق يا قيوم انصر دينك ونقّه من مُدّعى الإيمان، اللهم اجعل الإيمان بك وطاعتك نابعين من أعماقنا واجعلنا صادقين، نعبدك فى السر كما بالجهر، إيماناً حقيقياً غير مظهرى يختبئ خلف ملابس محتشمة وعقول فاجرة وقلوب فاحشة، اللهم أحسن إيماننا وانصرنا على حربنا الأبدية ضد إبليس وأتباعه وأعوانه من الجن والإنس.